راسم عبيدات لم ألحظ أي شيء جوهري أو غير مألوف في خطاب الرئيس عباس عن خطاباته السابقة، فسرد المظلومية التاريخية التي عاني وما زال يعاني منها شعبنا الفلسطيني، بسبب سياسات وإجراءات وممارسات الإحتلال، وخرق إسرائيل لقوانين الشرعية الدولية واستمرار الإستيطان وتهويد القدس،
بقاء إسرائيل دولة فوق القانون الدولي، انحياز أمريكيا إلى جانب دولة الإحتلال، خطورة الوضع الراهن، رفض قرارات ترامب والحلول المطروحة، نقض أمريكا لتعهداتها وإنقلابها على مرجعيات التسوية والشرعية الدولية، المطالبة بالحصول على العضوية الكاملة، المطالبة بالمؤتمر الدولي، الحماية الدولية، الآلية المتعددة للمفاوضات التي تكسر الاحتكار الأمريكي، والمطالبة بتطبيق القرارات الدولية ..الخ، هذه القضايا أصبح يعرفها الطفل قبل الشيخ الفلسطيني، وإن حظوظ نجاح مبادرة الرئيس تكاد تقارب الصفر لجهة البحث عن رعاية متعددة الأطراف للعملية التفاوضية، أو لجهة نيل العضوية الكاملة لدولة فلسطين "الفيتو" الأمريكي لن يسمح بتمرير ذلك. وكذلك البحث من جديد لعقد مؤتمر دولي بعد ربع من ماراثون تفاوضي عبثي، لم يحقق أي شيء أو مكسب لشعبنا الفلسطيني سوى المزيد من قضم الأرض و"تغول" الإستيطان، ولتصل الأمور الى القرار الأمريكي بإعتبار القدس المحتلة عاصمة لدولة الإحتلال، وهذا يعيدنا إلى المربع الأول، إعادة "تجريب المجرب" أوسلو الكارثة الذي قسّم الأرض والشعب وفكك النسيجين الوطني والمجتمعي الفلسطيني، أوسلو الذي دعا المجلس المركزي في دورته بتاريخ 1512018 لإعلان وفاته، وأنه يجب التحرر من التزاماته السياسية (سحب الإعتراف المتبادل)، والأمنية (وقف التنسيق الأمني)، والإقتصادية (التحرر من التبعية الإقتصادية (برتوكول باريس الإقتصادي)).
وعندما نتحدث عن رفضنا لخطة ترامب، وبأنها لن تمرّ، ولن تجد لها ترجمات على الأرض، فهل مؤسسات الشرعية الدولية ستمنع مرورها وتنفيذها..؟ ونحن تجربتنا منذ نكبة وحتى اليوم مع الشرعية الدولية مريرة وقاسية، فهناك أكثر من 80 قرار صدرت عن مجلس الأمن الدولي وأكثر من 700 قرار صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح شعبنا وحقوقه وإدانة ورفض لكل الإجراءات والممارسات الإسرائيلية القمعية بحق شعبنا، ورفض أي تغييرات أو فرض الوقائع على الأرض، وبقيت مجرد حبر مقيد على مستندات مقيدة في أرشيف الهيئات والمؤسسات الدولية.
رفض خطة ترامب والفريق المتصهين للإدارة الأمريكية، والذين يقولوا بالفم المليان، بأن اعتبار القدس عاصمة لدولة الإحتلال، مسألة منتهية، وحتى المتصهينة مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هايلي، ردت مباشرة على خطاب الرئيس عباس، بأن السفارة الأمريكية ستنقل أحببت أم كرهت، وإسرائيل عدا عن القول بأن خطاب الرئيس لم يأت بجديد، فلجنة صياغة الدستور الإسرائيلي في تعديلها لقانون ما يسمى بالقومية اليهودية، وفي البند الرابع المتعلق بمدينة القدس، وبأنها كما يزعمون عاصمة لدولة الإحتلال، لكي يتلائم التعريف مع قرار ترامب واعتبار القدس منتهية سياسياً، سيجري التعديل على أنها القدس الموحدة والكاملة عاصمة لدولة الإحتلال.
رفض خطة ترامب يحتاج إلى وضع خطة عملية لإحباطها وهذا غير ممكن من غير إيجاد حقائق وواقع سياسي على أرض الصراع من خلال الكفاح لتغيير موازين القوى بما يجعل تطبيقها مستحيلاً. أن هذا بحاجة إلى رؤية جديدة وإرادة مستعدة لدفع الثمن وخطة قابلة للتحقيق، وهذا كله بحاجة لإعطاء الأولوية لاستعادة الوحدة على أسس وطنية وديمقراطية توافقية وتعددية وشراكة حقيقية وليس الحديث وكأن الوحدة متحققة والكل يعرف أن هذا بعيد عن الحقيقة بعد الأرض عن السماء. وأن التحريض والتحريض الداخلي والمناكفات تستهلك جهداً أكبر بكثير من الجهد الذي يبذل في محاربة الإحتلال ومجابهته ومقاومته.
التاريخ بقديمه وحديثه يعلم بأن العمل الدبلوماسي والشرعية الدولية لهما حدود لا يمكن أن تقفز بها إلى حد نيل الشعوب لحريتها واستقلالها، بل ما يمكن الشعوب من نيل حريتها واستقلالها، هو ما يجري من كفاح ونضال على أرض الواقع، فالمحتل إذا ما شعر بأن مشروع احتلاله خاسر ومكلف، وبأن هذا الصراع المستمر والمتواصل، قد يؤدي إلى تداعيات أبعد من فلسطين وربما تهدد مستقبل المنطقة واستقرارها، فهنا يستجيب للضغوط التي تمارس عليه سياسياً ودبلوماسياً، فالفيتناميون والجزائريون عندما انتصروا على الأمريكان والفرنسيون كانت المقاومة والمجابهة محتدمة على الأرض جنباً إلى جنب مع المفاوضات، ولذلك على الرغم من أهمية العمل السياسي والقانوني والدبلوماسي، وضرورة تعزيز الوجود في المحافل الدولية، ولكن تبقى الحلقة المركزية لنيل حريتنا واستقلالنا، واستعادة حقوقنا، هي الإشتباك الميداني وفق رؤيا واستراتيجية موحدتين، تقومان على الصمود والمقاومة، ومن يريد أن يعظم دور العمل السياسي والدبلوماسي من نخبنا السياسية على حساب المقاومة والنضال الميداني، فهو يعظم ذلك خدمة لمصالحه وموقعه واستثماراته في هذا المشروع السياسي، فالأمم المتحدة ومؤسساتها، محكومة بتوازنات المصالح، وتتحكم في قراراتها قوى معادية للشعوب المضطهدة والمظلومة، أو التي لا تتوافق مصالحها مع الأهداف والمصالح الأمريكية والإستعمارية الغربية، ودلونا على قضية واحدة نجحت في حلها الأمم المتحدة، من القضية الكورية وحتى كل قضايا المنطقة عندنا القضايا الليبية، العراقية، السورية، اليمنية والفلسطينية.
إن المشروع أو المبادرة التي طرها الرئيس عباس وما حملته من قضايا أخلاقية، وفضح وتعرية لدولة الإحتلال، هي بحد ذاتها إجترار متكرر، وتهديدات لم تعد تأخذ على محمل الجد، وأصبحت مثل القنابل الصوتية، ينتهي أثرها مع إنفجارها، وستبقى هذه المبادرة معلقة بالهواء ودوران في الحلقة المفرغة والمراوحة في المكان، والعودة بنا إلى دهاليز أوسلو المدمرة، فنحن بحاجة إلى مؤتمر دولي ليس للتفاوض حول قرارات الشرعية الدولية، بل العمل على تطبيقها، وماذا نحن منتظرين في ظل صورة واضحة ليس عليها أية رتوش..؟ حتى واضع عروض علم المفاوضات ومؤلف كتبها الدكتور صائب عريقات، خرج عن صمته بعد ربع قرن ليقول بأن الرئيس الفعلي لنا هو وزير الجيش الإسرائيلي ليبرمان ورئيس الوزراء هو منسق شؤون المناطق يؤاف مردخاي، والرئيس نفسه يقول، نحن سلطة بلا سلطة، وإسرائيل ترد على مبادرته بتصعيد وتكثيف الإستيطان، والتصويت على أن القدس الكاملة والموحدة عاصمة لدولة الإحتلال، والسفير الأمريكي المتصهين في تل أبيب ديفيد فريدمان، يتباكى على المستوطنين، ويقول بأن إخلاءهم من الضفة الغربية، قد يتسبب بحرب أهلية يهودية، وهم منتمين إلى هذه الأرض التي منحهم إياها الله..! هل يوجد وقاحة وعهر أوضح من ذلك..؟
ولذلك اشرعوا في تحصين وتوحيد جبهتكم الداخلية وصعّدوا من نضالكم الميداني مع المحتل وخوضوا معه اشتباك شعبي وجماهيري، ومتنوا وصلبوا حواملكم التنيظمية التي اهترأت وصدئت، لكي تحمل وتشكل رافعة لمشروع نضالي مقاوم. لكي يُحدث ذلك تعديلاً متدرجاً في ميزان القوي، وبما يجعل استمرار المشروع الصهيوني بإحتلاله لأرضنا خاسراً ومكلفاً، لكي نصل إلى حريتنا وإستقلالنا وإستعادة حقوقنا.