Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

خطاب "أبو مازن".. غياب المفاجأة وحضورها!!.. هاني حبيب

خطاب

  لا.. لم تكن هناك مفاجأة من العيار الثقيل، ولم تكن هناك كذلك أية قنبلة من أي نوع، فيما تضمنه خطاب الرئيس أبو مازن أمام الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة، ذلك أن بعض وسائل الإعلام وتصريحات لمسؤولين فلسطينيين كانوا قد تحدثوا بإسهاب وتكرار عن مثل هذه المفاجأة وهذه القنبلة،

غير أن ذلك لم يحدث على الإطلاق، إذ إن مضمون خطاب الرئيس تم تداوله علناً وعبر وسائل الإعلام ونقاش كتّاب الرأي منذ حوالي شهر، عندما قيل وقتها، أيضاً، عن مفاجأة وعن قنبلة، لكن الرئيس وبعد الاتفاق الفلسطيني ـ الإسرائيلي عبر الوساطة المصرية في القاهرة، وفي اجتماعات قيادية، أشار بوضوح وبتفصيل حول "المبادرة الفلسطينية" إلى المنظمة الدولية، ما لم يتح المجال لأي مفاجأة جديدة، غير أن بعض وسائل الإعلام الفلسطينية، كما بعض المسؤولين، التزموا بالشعارات الصادقة.

لكن إذا ما أردنا الحديث عن مفاجأة، فهي تكمن في أن الرئيس لم يتناول مسألتين هامتين كان قد أعلن عنهما في السابق في إطار الحديث عن "المبادرة الفلسطينية"، الأولى تتمثل في عدم تناوله للفترة الزمنية التي بموجبها يجب الالتزام بها لقيام دولة فلسطينية بحصيلة هذه المبادرة هي ثلاث سنوات. الرئيس في خطابه ترك الأمر لمجلس الأمن أو لأي مبادرة تعرض عليه بهذا الصدد، وربما كان الرئيس يعوّل على ما قيل عن مبادرة فرنسية من خلال مشروع تتقدم به إلى مجلس الأمن، أما النقطة الثانية التي تجاهلها الرئيس في خطابه فهي تتمثل في التراجع عن الحديث عن لجوء إلى عضوية المنظمات الدولية، خاصة الجنائية الدولية بعد الحصول على عضوية معاهدة روما.

إلاّ أن الخطاب، ورغم خلوّه من أية مفاجأة ولم يفجّر أي قنبلة ترك المجال واسعاً لكي تأتي المفاجأة من خلال ردود الفعل الأميركية والإسرائيلية على مضمونه، فهو مهين في نظر واشنطن، وتحريضي واستفزازي وإرهاب دبلوماسي سياسي كما رأته "إسرائيل"، هي تلك المفاجأة الحقيقية، والتي أتت تحت عنوان جوهري وأساسي ما كان يجب أن يكون مفاجئاً لأحد، وهو أن القيادة الفلسطينية، قد وصلت أخيراً، وبعد تجارب تفاوضية مضنية، إلى أن الرعاية الأميركية لمثل هذه المفاوضات غير مجدية على الإطلاق، الجهد الأميركي يستنزف في الضغط على الجانب الفلسطيني بينما يعجز عن ذلك في مواجهة الجانب الإسرائيلي الذي نجح على الدوام في عرقلة المساعي الأميركية، لكن واشنطن تشعر بالإحباط والمهانة عندما تصل الأمور إلى حدّ أن يشير الرئيس إلى أنه لم يعد بحاجة لها ولا لجهودها الكاذبة، ذلك يأتي في الوقت الذي تحاول فيه إدارة أوباما ترميم سياستها في المنطقة من خلال إعادة نفوذها إليها، كما رأينا مؤخراً في "التحالف ضد الإرهاب" تأتي هذه المهانة التي شعرت بها واشنطن في وقت تحاول دول أخرى كفرنسا التسلل من خلال الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، لتحتل بعضاً ـ على الأقل ـ من النفوذ الأميركي، فرنسا التي فشلت هي الأخرى في الدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام يعقد في عاصمتها، نظراً للرفض الإسرائيلي، باتت على قناعة أن دورها يمكن أن يتمثل بقيادة الاتحاد الأوروبي للتحول إلى المنظمة الدولية، للتقدم بمشروع قرار يقضي بمفاوضات تحت الرعاية الدولية وبجدول زمني يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية، وإذا ما استخدمت واشنطن حق النقض، فإن فرنسا ودولا عديدة في الاتحاد الأوروبي ستؤيد دعم الجانب الفلسطيني في الحصول على مقعد عضوية فاعلة في مجلس الأمن عوضاً عن عضوية مراقبة في الجمعية العامة، ويبدو أن الرئيس عندما تجاهل الحديث عن الجدول الزمني وعن الانضمام إلى المنظمات الدولية، جاء في إطار تفاهمات، تسعى بموجبها فرنسا لإقناع الولايات المتحدة بعدم استخدام حق النقض في مجلس الأمن، والامتناع عن التصويت بدلاً من ذلك، لتمرير مشروع القرار المذكور، لكن ذلك مجرد سيناريوهات لا يمكن تأكيدها إلاّ في إطار التسريبات والاحتمالات!!

وأعتقد أننا لا يمكن الحديث عن أن ساعة الاستقلال الوطني قد حانت، إذ إن خطاب الرئيس الراحل عرفات في الجمعية العامة للأمم المتحدة حاملاً غصن الزيتون في يد والبندقية في اليد الأخرى، بعد سنوات قليلة من انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965، كانت هاتان المناسبتان الإعلان عن توقيت البدء بمرحلة الاستقلال الوطني، التي رغم أنها طالت أكثر ما كان مؤملاً، إلاّ أنها لا تزال هي الساعة التي يتم التوقيت السياسي الوطني الفلسطيني عليها.

الخطاب الخالي من المفاجآت، يعيد الأمور إلى نصابها، المجتمع الدولي يتحمّل مسؤولية قيام دولة العدوان الدموي على حساب الأرض والشعب في فلسطين، وهو الذي يتحمل مسؤولية عجزه عن إجبار "إسرائيل" على الخضوع لقراراته والعودة إلى المنظمة الدولية لكي تقوم بمسؤوليتها، رغم تأخرها، تشكل المعيار الجديد للسياسة الفلسطينية التي تطلب تكاتفاً عربياً ودولياً، وتحالفات من شأنها أن تدعم الموقف الفلسطيني في مواجهة التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي، وبدون سياسة واعية لخريطة التحالفات المعقّدة، فإن هذه السياسة لن يكتب لها النجاح، ولعلّ في إعادة إحياء المبادرة العربية وطرحها من جديد، ما يشكل البوابة لمثل هذه العودة!!