دارت معارك عسكرية تكتيكية، عرفت بمعارك الاشتباك من مسافة صفر، ما بين جيش العدوان الصهيوني من جهة، وكتائب عز الدين القسّام وسرايا القدس، وعدد من قوات فصائل مقاومة في قطاع غزة، من جهة أخرى. وقد دامت ثلاثة عشر شهراً، ولم تزل مستمرة. وكانت نتيجتها، حتى الآن، الوصول إلى شبه توازن إستراتيجي، مع تفوّق نسبي للمقاومة، بل كانت يد المقاومة في المبادرة الاشتباكية هي العليا. وذلك رغم أن جيش العدوان هو المُهاجِم، وهدفه احتلال قطاع غزة، ودخول الأنفاق، والقضاء على قوات المقاومة، ولا سيما كتائب عز الدين القسّام، والتي تقود المقاومة، وهي صاحبة عملية «طوفان الأقصى». وقد جاءت فاتحة للحرب، واعتبرت عملية استثنائية، من حيث حجمها وتخطيطها، وإعدادها وتنفيذها، ونتائجها العسكرية والسياسية. وقد وصل الأمر بمحللين وسياسيين صهاينة إلى اعتبارها فاتحة مرحلة لنهاية الكيان الصهيوني، واعتبرها عدد من القادة والمثقفين الفلسطينيين فاتحة الطريق لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر.
إنّ شبه التوازن الإستراتيجي لحرب دامت ثلاثة عشر شهراً حتى الآن، وما زالت اشتباكاتها التكتيكية متواصلة، كأنها في أشهرها الأولى، يعبّر عن حالة عدم الحسم العسكري، وعدم القدرة عليه من جانب الجيش الصهيوني، على الضدّ من أكثر التقديرات العسكرية، بسبب ما يملكه من قوّة نيران ودبابات وصواريخ، وتكنولوجيا، ودعم عسكري متواصل أميركي- غربي، وبسبب تاريخه الطويل في حسم الحروب، مع جيوش عربية، لم تزد على بضعة أيام في إحداها. هذا ويمكن أن يُضاف عند حساب حصار غزة، لأكثر من عشرين عاماً، وعند حساب وضعها الجيوسياسي-العسكري، وحجمها، تقديراً لموقف، شائع، بكونها ساقطة عسكرياً، كما كان حالها في حروب سابقة عدّة.
ما يجب أن يؤخذ في الحسبان عند تقويم الوضع العسكري في قطاع غزة، هو استمرار المقاومة في أنفاقها، واستمرارها بمنع أنفاقها، والخروج منها بتسطير عمليات عسكرية، تستنزف الجيش الصهيوني استنزافاً، وتلحق به الخسائر. ما جعل القيادة العسكرية تطالب بوقف إطلاق النار. هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى، فإن الوضع السياسي العالمي والأخلاقي والقانوني، بمعايير الحروب والقانون الدولي، والرأي العام، أخذ في النظر إلى الكيان الصهيوني باعتباره مجرم حرب وإبادة، وقاتلاً جماعياً للأطفال. ثم اعتبار دولة الكيان الصهيوني مارقة، خارجة عن شرعية الوجود ككيان ودولة، لاحقاً ومستقبلاً. مما يجعل شبه التوازن الإستراتيجي في اتجاهه العام في مصلحة المقاومة، وفي غير مصلحة الكيان الصهيوني عسكرياً وسياسياً.
صحيح أن الجيش الصهيوني وقيادة الكيان شنوا حربَ قتلٍ جماعي وإبادة، وتدميرٍ شامل نجم عنه، حتى الآن، ما يقرب من خمسين ألف شهيد، وأكثر من مئة ألف جريح، إلا أن الأمر لا يجوز إدراجه في تقدير الموقف العسكري، لأنه مُجرّمٌ دولياً، ويشكل جريمة محرّمة في الحروب، فيسقط من حسابات الحرب أساساً. وهذا ينسحب أيضاً على من يحسب ضحايا الإبادة جزءاً من الحرب، ثم تقييم النتائج بحساب الخسائر البشرية في الحروب التقليدية، علماً أن هذا البُعد، لا يقرر من المنتصر والمهزوم في الحرب، وإلّا اعتبر هتلر، مثلاً، في الحرب العالمية الثانية، هو المنتصر على كل من الاتحاد السوفياتي والغرب، إذا دخل في التقدير قتل عشرين مليوناً من المدنيين في روسيا وحدها، فضلاً عن خمسة ملايين من الجنود. بل إن القتل الجماعي الوحشي الذي لا مثيل له في قطاع غزة، يجب أن يُعامل كجريمة قائمة بذاتها ولذاتها، بعيداً من تقويم نتائج المواجهة البريّة بين المقاومة وجيش الكيان الصهيوني.