Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

عصفور في اليد أفضل من عشرة... طلال عوكل

عصفور في اليد أفضل من عشرة...  طلال عوكل

  تحل اليوم الذكرى السنوية لأسرى الحرية، التي تحولت إلى مناسبة وطنية عامة يحييها الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده داخل الوطن وخارجه، وتتداخل مع أيام أخرى وطنية، ففي مثل هذه الأيام،

استشهد القائد الكبير خليل الوزير(ابو جهاد)، والقائد الكبير عبد العزيز الرنتيسي، كرموز فقط، لآلاف الشهداء الذين سقطوا في مثل هذه الأيام، منذ الغزوة الصهيونية لبلادنا فلسطين.

الرزنامة الفلسطينية تعج بالذكريات والمناسبات الوطنية، التي يستغرق إحياؤها معظم أيام السنة، فإن كان هذا فقط ما ستفعله فصائل العمل الوطني، فإن أيام السنة كلها، ستشهد فعاليات سياسية وشعبية ونضالية يفترض أن تكرس الهوية الوطنية الجامعة، وأن توحد الشعب حتى لو لم تتوحد القيادات، وأن تصنع انتفاضة شعبية سلمية كل الوقت ضد الاحتلال.

لا حاجة بنا عندئذ، للدعوة المتكررة، لتصعيد المقاومة الشعبية، ولا للمزايدة على بعضنا البعض، إزاء ثباتنا على حقوقنا الوطنية، أو التشكيك بإخلاص بعضنا وعمق التزامه بالقضية الوطنية.

المهم، أن لا تتكرر على نحو روتيني، الفعاليات التي نقوم بها لإحياء مثل هذه المناسبات، أو الاكتفاء بإلقاء الخطب، وتلاوة الصلوات في الأماكن المغلقة، التي ملت الكاميرات من تغطيتها.

حين يتعلق الأمر، بنحو ثمانمائة الف فلسطيني تعرضوا للأسر والاعتقال على يد المحتل الإسرائيلي، وبنحو خمسة إلى ستة آلاف موجودين دائماً في المعتقلات، ومن بينهم من قضى أكثر من ربع قرن، فإن هذا الملف، يصبح ملفاً وطنياً بامتياز.

ملف الأسرى، ليس ملفاً موسمياً، ولا يتوقف الاهتمام به على يوم واحد، وحتى بضعة أيام في العام، فهو ملف كل الأيام بالنسبة لأهالي الأسرى، وبالنسبة للأسرى الذين تذوقوا طعم الحرية، وهو بالمعنى الوطني الحقوقي ـ والمجازي، ملف يفضح طبيعة العلاقة بين المحتل والشعب المحتلة أرضه.

ثمة عوامل تجعل هذا الملف، حاضراً يومياً، في ذاكرة الشعب، فإن لم يكن محل اهتمام السياسيين وذوي الأسرى، فإن الحركة الأسيرة ذاتها، كفيلة بأن تفرضه على كل الأجندات، بما تقدمه من دروس في التحدي، والصبر، والبطولة النادرة، والإصرار على الحياة.

ينحني الرمز العالمي لكفاح نيلسون مانديلا، أمام النماذج التي يقدمها أسرى الحرية من الفلسطينيين، وتعجز أمامهم أدوات العلم في معرفة أسباب صمودهم أشهراً طويلة، من الإضراب عن الطعام، رغم كل ما يعانونه من أمراض، وإهمال طبي.

ربما لم يحن الوقت بعد، وإن كان قريباً اليوم الذي يتحول فيه ملف الأسرى، من دائرة المحاكم الإسرائيلية الظالمة والعنصرية، إلى دائرة المحاكم الدولية، التي تحاكم إسرائيل، وقادتها المجرمين الذين يرتكبون المجازر، وجرائم الحرب، وينتهكون القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.

إلى ذلك الحين، لا بد من توحيد الأطر، المتخصصة في ملف حقوق الإنسان والأسرى على نحو خاص، لتركيز الجهود الوطنية والإمكانيات المتوفرة لتعزيز وتوسيع عملية الانتقال بهذا الملف من الدائرة الوطنية إلى الدوائر العربية والدولية.

قبل أن نصل بالملف إلى المحاكم الدولية، لمقاضاة إسرائيل ولإرغامها على الامتثال لقواعد المواثيق والقوانين الدولية، لا بد من تهيئة الرأي العام العربي والعالمي، وذلك من خلال توسيع عملية المناصرة، وتعميق الوعي العالمي بأبعاد هذا الملف، الذي يضع إسرائيل في المكانة التي تستحق والتي هي عليها بالفعل، كدولة عنصرية، عدوانية، دولة متحولين ومصاصي دماء.

لقد جنّ جنون السياسيين الإسرائيليين عندما قرر الرئيس محمود عباس الانضمام إلى خمس عشرة اتفاقية ومؤسسة دولية، منها اتفاقيات جنيف الأربع، وبدا هؤلاء وكأنهم لا يصدقون ما يسمعون، بعد أن، ظلوا لعقود طويلة يشعرون أنهم في مأمن من قصاص الشرعية الدولية، وحكم التاريخ.

البعض منا في إطار المناكفات السخيفة، يذهب إلى التقليل من حجم ونوع الإنجاز الذي تحقق، بدعوى أن الرئيس استهدف الانضمام إلى معاهدات ومؤسسات ثانوية، لا تشكل خطراً، ولا تقلق قيادات الاحتلال، وربما أرادوا أن يكون القرار جذرياً وشاملاً بالانضمام إلى كل المعاهدات والمؤسسات الدولية، دفعة واحدة. لكن ذلك، كان سيكون صحيحاً، لو أن الأرض الفلسطينية تتمتع بالصلابة الوطنية والتوحد، لمجابهة ردات الفعل الإسرائيلية، ذلك أن مثل هذا القرار الذي سيأتي وقته آجلاً أم عاجلاً، سيشكل إعلان حرب على إسرائيل. ما يزال الوضع الفلسطيني غير قادر بما هو عليه على اتخاذه. وهذا البعض أيضاً، ومن باب المناكفة السلبية، يسعى إلى تقزيم الإنجاز الذي تسعى القيادة الفلسطينية لتحقيقه، فيما يتعلق بالإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى، والإفراج عن مئات منهم في إطار الموافقة على تمديد المفاوضات.

يترتب على هؤلاء المتشككين أن يسألوا الأسرى الذين قضوا عشرات السنوات قبل أن يتحرروا ما إذا كان الإفراج عن هؤلاء المناضلين الذين يمضي أغلبيتهم أكثر من ثلاثين عاماً، يستحق أن نعض على جراحنا لبعض الوقت. ودعونا هنا نجرِ هذه المقارنة البسيطة، فإذا كان أسر جلعاد شاليت، قد أدى إلى الإفراج عن نحو ألف أسير فلسطيني، بعد أن دفعنا آلاف الشهداء، وآلاف الجرحى وآلاف البيوت والمؤسسات المدمرة، أفلا نقبل الإفراج عن مئات الأسرى ذوي المحكوميات العالية، مقابل تمديد المفاوضات بالرغم من علم الجميع أن هذه المفاوضات فاشلة، ولا مجال من خلالها لتحقيق تسوية، حتى لو كانت بثمن نصف الحقوق الوطنية؟

دعونا نصلِّ وندعُ لأن تنجح القيادة الفلسطينية في الحصول على ثمن أكبر من ثمن إطلاق سراح مئات الأسرى، حتى لو كان ثمن ذلك تمديد المفاوضات، فهذا عصفور في اليد، وهو افضل من عشرة على شجرة مراهنات وفرضيات لن تبلغ حد الاستسلام للعدو المحتل.