Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

في مفهوم العدوان والمقاومة... طلال عوكل

في مفهوم العدوان والمقاومة... طلال عوكل

  حين قامت قوة إسرائيلية محمولة، بالتوغل شرق خان يونس نهاية الأسبوع الماضي، وتعرضها لكمين من المقاومة، قيل بعدها إن ضابطاً إسرائيلياً أصيب مع ثلاثة جرحى آخرين، واستشهد على إثرها، أيضاً، أربعة مقاومين فلسطينيين، اندلعت الأسئلة لبضعة أيام لاحقة حول احتمالات التصعيد من قبل إسرائيل

 

 في كل مرة تقوم بها إسرائيل بعمل عسكري، ولو كان محدوداً تندلع موجة أسئلة كهذه التي تتواصل حتى كتابة هذا المقال.

طرح أسئلة التصعيد العدواني الإسرائيلي من قبل وسائل الإعلام والمهتمين، يعكس إلى حد كبير المزاج العام للمواطنين في القطاع، فثمة اعتقاد سائد لديهم بأن إسرائيل لا تنهي جولة من العدوان الا لتحضر لجولة أخرى.

هذا الاعتقاد يستند إلى تجربة طويلة مع الاحتلال، لكنه، أيضاً، يعكس بعضاً من حقائق السياسة، في ضوء واقع الانقسام القائم منذ سبع سنوات، وطبيعة توزع القوى الفلسطينية، وبرامجها ومعتقداتها، الأمر الذي يتيح لإسرائيل كل الوقت للعب على التناقضات الفلسطينية من ناحية ومن ناحية أخرى، تصريف بعض مخططاتها وعدواناتها الأشد خطورة وحرف الانتباه عن سياساتها ومواقفها إزاء عملية السلام.

سؤال العدوان على قطاع غزة، حاضر كل الوقت، وحاضرة مبرراته، أما أهدافه وتوقيتاته فبعضها ثابت وبعضها متحرك، والمهم هو أن إسرائيل هي الطرف الذي يحتفظ لنفسه بالمبادرة دائماً.

فمنذ شهر أيلول 2007، اتخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً بالتعامل مع قطاع غزة باعتباره كياناً معادياً، وتصرفت مع القطاع، وفق ذلك القرار بما يخدم هدفها بتعزيز وتعميق وتأييد الانقسام الفلسطيني ببقاء حماس قوية في القطاع وفتح قوية في الضفة، وكان ذلك الهدف سبباً كافياً لأن تتحمل إسرائيل لبعض الوقت ثمن مراكمة وتطوير تسليح المقاومة في غزة، لأن ما ستحصل عليه هو تدمير الحقوق الفلسطينية ومنها منع قيام دولة على الأراضي المحتلة العام 1967.

بعد التغيرات التي وقعت في الجوار المصري، وفتحت مرحلة جديدة بآفاق غير إخوانية، نشأت ظروف جديدة، حيث يتعرض القطاع لحصار مشدد، ستكون له تأثيراته الواضحة على خطوط إمداد السلاح للقطاع، ثم استؤنفت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بمبادرة أميركية يقول الرئيس محمود عباس أنها جدية، الأمر الذي يضع إسرائيل أمام حقائق من نوع مختلف.

الانقسام الفلسطيني وفق الرؤية الاستراتيجية السياسية والأمنية الإسرائيلية لم يعد ذخراً استراتيجياً بالقدر الذي أرادته السياسة الإسرائيلية قبل بضعة أشهر، ومنذ سنوات، والسؤال هو لماذا ستتحمل إسرائيل وجود ترسانة من الأسلحة في خاصرتها، وإلى متى يمكن أن تتحمل ذلك؟ إذا كانت الولايات المتحدة جادة هذه المرة في التدخل النشط في المفاوضات إلى الحد الذي يجعل بعض المراقبين يعتقد بأن الإدارة الأميركية يمكن أن تقيم تفاهمات دولية بما في ذلك مع روسيا، على غرار ما يحصل مع سورية من أجل فرض حل على الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، فإن الانقسام في هذه الحالة، سيشكل عبئاً على إسرائيل لا تستفيد منه إلا تشتيت قوة الفلسطينيين.

وفي هذه الحالة، فإن بقاء الانقسام، وتشتت القوة الفلسطينية، لا يفيد إسرائيل كثيراً في التلاعب على المجتمع الدولي، واستخدام الانقسام ذريعة لمنع قيام دولة فلسطينية، ولم يتبق لإسرائيل من أهداف تكتيكية في حال شنت عدوانا على قطاع غزة، سوى خلط الأوراق، وإثارة ضجة كبيرة، لصرف الأنظار عن المخاطر التي تحيق بالضفة والقدس ومن أجل التغطية على مسؤوليتها عن فشل المفاوضات.

هكذا يكون الاحتمال بقيام إسرائيل بعدوان كبير على قطاع غزة، احتمالاً وارداً وقوياً، والأرجح أن علينا أن نصدق بأن يكون حاسماً هذه المرة إزاء الوضع القائم في القطاع، لأن السبب الأمني والمخاوف المرتبطة به ستتقدم على الذرائع السياسية وغير السياسية الأخرى.

هنا لا يستطيع أحد أن يتكهن بتوقيت هذا العدوان الكبير، ولا بطبيعته طالما أنه مرتبط بالتفاعلات السياسية الإقليمية، والتفاعلات داخل وبين الكتل السياسية والحزبية الإسرائيلية، في طريق تعاملها مع سير المفاوضات وتداعياتها.

ولكن الغريب في الأمر، أن مصطلح العدوان الإسرائيلي، ارتبط بقيام جيشها بعمليات عسكرية على القطاع، سواء كانت هذه العمليات محدودة أو شاملة، وقد ساهم الانقسام الفلسطيني في إضفاء هذا المعنى على السلوك الإسرائيلي.

فقط حين تسيل الدماء ويسقط الشهداء والجرحى، يكون الحديث عن عدوان، ولكن حين تسيل دماء الأرض الفلسطينية، ودماء المقدسات، والتاريخ والحقوق، فإن الأمر يختلف.

إذا كانت غزة مرشحة بين الحين والآخر، للتعرّض لعدوان إسرائيلي غاشم فإن الضفة بما في ذلك القدس، تتعرض كل الوقت لعدوان إسرائيلي لا يتوقف، ويتميز بالخطورة الشديدة، وبالانتهاك الشديد والفظ للقرارات والشرعية الدولية، ومثل هذا العدوان هو الذي يستحق أن يتجند لمجابهته الفلسطينيون بكل ما لديهم من وسائل وإمكانيات.

والغريب أن وسائل الإعلام حين تتلقى جواباً من هذا النوع على أسئلة التصعيد، لا ترى في الإجابة ما يلبي رغبتها في الإثارة، لكن السؤال والإجابة محرجة للقوى الفلسطينية التي تعتمد مفهوماً حصرياً للمقاومة بما أنها فقط عسكرية، طالما أن ذلك يعفيها من مسؤولياتها عن المبادرة لمجابهة العدوان الدائم الأشد خطورة في الضفة الغربية والقدس.