ثمة تزامن وعلاقة بين زيارة وزير الخارجية الأميركية جون كيري للأراضي الفلسطينية المحتلة، وتصريح المسؤول رفيع المستوى، من الاتحاد الأوروبي الذي هدد بوقف تمويل السلطة الفلسطينية، وعودة إسرائيل لاحتلال الضفة الغربية، وذلك في حال فشل المفاوضات.
أوروبا الموحدة، تتناغم مع الولايات المتحدة، وتحرص على أن لا تتقدم عنها، وبأن تأخذ الدور الوظيفي الذي تراه لها الإدارة الأميركية. منذ بعض الوقت والاتحاد الأوروبي، يلقي بإشارات تحذيرية لإسرائيل، خصوصاً فيما يتعلق بسياستها الاستيطانية، وبعض ممارساتها شديدة الاستفزاز للفلسطينيين والمجتمع الدولي. وهي أي أوروبا، ساهمت في حملة الضغط على السلطة، إلى جانب الولايات المتحدة، من أجل الموافقة على استئناف المفاوضات، بدون الشروط التي طرحتها السلطة، والتي تتصل بوقف الاستيطان، وبضرورة إعلان إسرائيل قبولها بمرجعية الحقوق الفلسطينية في إقامة الدولة على الأراضي المحتلة منذ العام 1967.
والآن لماذا يصدر عن الاتحاد الأوروبي مثل هذا التهديد، طالما أن السلطة، بريئة من شبهة ترمي إلى تعطيل أو إفشال، أو وقف المفاوضات. الأوروبيون والأميركيون، وكل من له صلة، يعرفون، أن استقالة بعض أعضاء الوفد الفلسطيني المفاوض، ومواصلة الدكتور صائب عريقات، من الشكوى والاحباط الذي يشعر به، جراء السياسات الإسرائيلية التعطيلية داخل غرف التفاوض وخارجها، كل ذلك، لم يغير من قرار الرئيس محمود عباس الذي لا يتوقف عن اعلان عزمه مواصلة المفاوضات حتى نهاية الأشهر التسعة المتفق عليها.
إذا كان الأمر كذلك، فلماذا إذاً، يلجأ المسؤول الأوروبي إلى تهديد الطرف الفلسطيني، وما الذي ينتظره من الفلسطينيين أكثر مما تقدم به، وما تقدم به الفلسطيني حتى الآن يفوق كل اعتبار، ويتجاوز ولو نظرياً الحد الأدنى الممكن القبول به. الرئيس عباس قرر الموافقة على استئناف المفاوضات، بدون موافقة الفصائل بل في ظل معارضة فلسطينية واسعة، شملت حتى بعض أوساط حركة فتح، والكثير من الملتزمين بنهج السلام والتفاوض، فماذا بقي عليه أن يقدم، إلاّ إذا كانت أوروبا تنتظر توقيعاً من الفلسطينيين على بياض، لكي تقرر إسرائيل ما تشاء؟
يتحدث المسؤول الأوروبي الرفيع، عن أن فشل المفاوضات سيؤدي بإسرائيل إلى إعادة احتلال الضفة، وكأن إسرائيل لم تفعل ذلك العام 2002، ثم لكأنها الآن لا تحتل الضفة الغربية، فما الجديد الذي سيكون عليه الوضع في حال فشلت المفاوضات؟
على الأرجح أن المسؤول الأوروبي الرفيع، يعتقد بأن إسرائيل ستنهي وجود السلطة، ولذلك، فإن السؤال، هو لماذا سيكون على الاتحاد الأوروبي أن يدفع الأموال؟ هو تهديد يطال وجود السلطة، ولأن السلطة ككيان وبغض النظر عن مواصفاتها، وصلاحياتها ودورها، قد أصبحت واحداً من أهم معالم السياسة الفلسطينية، المقبولة دولياً وعربياً، وحتى إسرائيلياً، فإن كلام المسؤول الأوروبي، لا يمكن فهمه إلاّ تحت عنوان الضغط على السلطة.
في الجوهر والشكل فإن تصريح المسؤول الأوروبي الرفيع، يعكس أولاً، انحيازاً أوروبياً لصالح السياسة الإسرائيلية، وميل أوروبا نحو مطالبة الفلسطينيين بإبداء مرونة اكثر، والتعامل بواقعية أكثر مع نتائج ومخرجات السياسة الإسرائيلية. وثانياً، فإن هذه السياسة الأوروبية، تعكس الطبيعة الاستعمارية، التي وقفت من الأساس، وراء، إقامة إسرائيل كمشروع استعماري، في مواجهة ولمنع قيام أي مشروع قومي عربي.
إذا كان هذا المسؤول الرفيع يعبر حقيقة عن موقف الاتحاد الأوروبي، فإن هذا الموقف يعكس العودة بالسياسة الأوروبية إلى الأصول الاستعمارية، وعلى اعتبار أن وظيفة إسرائيل لا تزال قائمة وحيوية ومطلوبة.
وأظن أن على المسؤول الأوروبي الرفيع، أن يتبصر أكثر بشأن تداعيات فشل المفاوضات، التي تتحمل أوروبا والولايات المتحدة، نصيبا مهما من المسؤولية عن فشلها وفشل عملية السلام، لأنهما متواطئتان مع السياسة الإسرائيلية، وداعمتان للمخططات الإسرائيلية، وهما لم تمارسا، ومن غير المرجح ان تمارسا أي مستوى فاعل من الضغط على إسرائيل.
فشل المفاوضات، هو الأمر المرجح حتى الآن، ولكن ما لا يريد المسؤول الأوروبي أن يعرفه، أو يعترف به، هو أن هذا الفشل، سينقل المنطقة إلى مرحلة الصراع والاشتباك، والعودة إلى الأصول. قد تتخذ إسرائيل في هذه الحالة قراراً بالانسحاب من طرف واحد، من نحو 60% من الضفة الغربية، بمعنى تطبيق خطة الانطواء، والتخلص من مناطق الكثافة السكانية الفلسطينية المرتفعة كما حصل بالنسبة لقطاع غزة. ولكن من الناحية الأخرى، فإنه لن يكون أمام الفلسطينيين سوى، أن يعيدوا النظر في أهدافهم وبرامجهم، بما يفتح الصراع على الوجود، وتجاوز برنامج الدولة على الأراضي المحتلة منذ العام 1967.
قد يبقى البعض من الفلسطينيين متمسكين بما عرف بالبرنامج المرحلي لمنظمة التحرير الذي تحول إلى برنامج استراتيجي، ولكن غالبية الشعب الفلسطيني، ستعيد النظر في هذا البرنامج لصالح برنامج التحرير الكامل لأرض فلسطين التاريخية.
وفي هذه الحالة سيكون على المسؤول الأوروبي وغير الأوروبي، أن يتحسس مصالح الغرب الرأسمالي، ذلك أن الانفجار الفلسطيني سيكون مدوياً وهائلاً. عند ذاك سيكون على العالم الآمن، الذي دخل مرحلة الرفاهية، أن يواجه تداعيات الظلم الذي لحق بالفلسطينيين تاريخياً. وبالظلم الذي لحق ويلحق بهم في كل مكان، من العراق، إلى ليبيا، إلى سورية، إلى غزة والضفة والقدس، ولبنان، والأردن قبل ذلك. إذا كانت إسرائيل هي المجرم الأساسي الذي يمارس الظلم على الفلسطينيين، فإن العالم، خصوصاً الداعم لإسرائيل، يتحمل المسؤولية عن المظالم التي تلحق بنصف الشعب الفلسطيني من ابناء الشتات والمهاجر. هل يفكر المسؤول الأوروبي الرفيع بكل هذه التداعيات أم أنه يعتقد بأن الشعب الفلسطيني فقد إرادته، وأصبح مستعداً للقبول بأي حل، لا يضمن له الحرية والكرامة؟