بموازاة الجهد التفاوضي الذي يشترك فيه المبعوث الأميركي مارتن إنديك مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، يستمر خط التصعيد من قبل الطرف الإسرائيلي، ما يجعل البعض يعتقد بأن المفاوضات قد انتهت إلى الفشل.
التدقيق في الخطوات التصعيدية الإسرائيلية، وما يتبعها من ردود فعل فلسطينية يشير إلى أن معركة المفاوضات، لم تتجاوز البعد التكتيكي، وان من المبكر الاستنتاج بأنها ستنتهي إلى فشل، ستصيب نتائجها وآثارها كافة الأطراف بما في ذلك الولايات المتحدة، التي تصر على متابعة جهدها من أجل تجاوز الاستعصاء، والحصول على موافقة من الطرفين بتمديد المفاوضات.
آخر ما جاء في أجندة التصعيد الإسرائيلي، الأمر الذي وجهه نتنياهو لوزرائه بوقف كافة الاتصالات والتعاملات مع الطرف الفلسطيني باستثناء وزارة الأمن، التي تهتم بالتنسيق الأمني مع السلطة لأنها صاحبة مصلحة في استمرار ما تعودت عليه.
وفي وقت سابق كان غريباً، أن تنضم وزيرة العدل، والمسؤولة عن ملف المفاوضات تسيفي ليفني إلى جوقة المتطرفين، وأن تركب هي الأخرى موجة التهديد والوعيد، حتى لو كان ذلك، باستدعاء بعض الأكاذيب والأوهام. ليفني هددت الرئيس محمود عباس بما تعرض له الرئيس الراحل ياسر عرفات، وادعت أنها قامت بزيارات لأحدى عشرة دولة عربية خلال الخمسين يوماً الماضية، وحصلت منها على تعهدات بعدم توفير الدعم المالي للسلطة، وبأنها، أي الدول العربية الموهومة تؤيد الموقف الإسرائيلي من ملف القدس، والموقف من يهودية الدولة.
ادعاءات ليفني خلت من تسمية أي دولة، الأمر الذي يدخل في دائرة العمومية التي لا تلزم أي دولة عربية لنفي أو تأكيد ما جاءت به الوزيرة، زميلة أفيغدور ليبرمان، ونفتالي بينت، اللذان يمثلان أقصى التطرف من واقع كونهما يمثلان المستوطنين.
الرد سيكون جماعياً، حيث يعود وزراء الخارجية العرب لتأكيد المواقف التي اتخذتها القمة العربية التي انعقدت قبل أسابيع قليلة، ورفضت من خلالها شرط يهودية الدولة، وأكدت دعمها للسياسة والحقوق الفلسطينية، وأقرت توفير شبكة أمان مالية للسلطة بواقع مئة مليون دولار شهرياً.
في الرد على حملات التصعيد الإسرائيلية التي تتواصل، يواصل الطرف الفلسطيني استخدام وتوظيف ما لديه من أوراق قوة، بدأها بالتوقيع على خمس عشرة معاهدة ومؤسسة دولية، وهو إجراء جزئي، ربما يجرى تطويره لمجاراة التصعيد الإسرائيلي.
في جعبة الفلسطينيين أوراق أخرى، مطلوب الانتقال بها من دائرة الاستثمار والتوظيف المرتبط بالمفاوضات إلى دائرة الفعل الأصلي، النابع من المصلحة الوطنية الفلسطينية سواء كانت هناك مفاوضات، أو في حال توقفها.
هكذا ينبغي التعامل مع ملف المصالحة الفلسطينية، وعلى هذا الأساس ينبغي على الطرفين حماس وفتح، بغض النظر عن الشكوك التي تنتاب البعض، فحتى لو كانت المصالحة، تستهدف تقوية الطرف الفلسطيني في المفاوضات، فإن هذا الهدف يستحق الاهتمام. أين مصلحة أي طرف فلسطيني معارض أو غير معارض في أن يكون الطرف الفلسطيني المفاوض، في موقع ضعيف طالما أنه ملتزم بالثوابت الفلسطينية، وما المانع من تقوية المطالب الفلسطينية، إلاّ إذا كانت الحسابات الفئوية والخاصة، يستدعي غير ذلك؟
الوفد الخماسي الذي يفترض أن يصل إلى قطاع غزة، وهو وفد منظمة التحرير الفلسطينية وليس وفد حركة فتح، هو محاولة، بالطبع ليست أخيرة، ينبغي أن يقابل بإرادة وطنية حازمة، لتحقيق المصالحة، حتى لو كانت هناك بعض النواقص، وبعض هذه النواقص تنطوي على أهمية كبيرة ونقصد مثلاً موضوع الاتفاق على المشروع والبرنامج الوطني، واشتقاق استراتيجية فلسطينية، وخيارات وطنية متفق عليها.
في كل الحالات معلوم لدى كل الأطراف الفلسطينية أن اتفاق المصالحة بحاجة إلى مراجعة، وربما بحاجة إلى تعديلات إضافية. ولكن حتى لو جرى تطبيقه كما هو، فإن ثمة صعوبات وعقبات كبيرة أمامه، غير أن من اتفقوا عليه يعرفون بأن التجربة المشتركة من شأنها أن تجد حلولاً، فمثل هذه العقبات والصعوبات، لا يمكن لأي اتفاق مهما كان مثالياً، أن يلبي تطلعات كل الأطراف طالما أن الأمر يتعلق بأطراف سياسية فاعلة، ولديها توجهات وبرامج وأيديولوجيات مختلفة، لذلك فإن أي اتفاق يقوم على القواسم المشتركة والأهداف الجامعة يترك للزمن، أن يعالج التعارضات والاختلافات في اطار المصلحة الوطنية، وضمن الأطر الوطنية المتفق عليها.
وحتى لا نضيع في لغة المتوجبات، فإن ما ورد حتى الآن من ردود أفعال بشأن مهمة اللجنة الخماسية للمصالحة، لا يدعو للتفاؤل، وبالتالي على المسؤولين الفلسطينيين المعنيين أن لا يواصلوا تسويق الوهم، وأن يتحلوا الشجاعة والصراحة، حتى لا يقع الناس في خيبات أمل جديدة طفح بها ملف العلاقات الفلسطينية الفلسطينية.
الوفد الخماسي يقول إنه لا يذهب إلى غزة، لإجراء حوارات جديدة، وإنما للاتفاق على تنفيذ ما ورد في اتفاق المصالحة، والبدء بتشكيل الحكومة وتحديد موعد للانتخابات أما الرد من قبل الناطقين باسم حماس فيتحدث بعضهم عن الحاجة لحوار حول قضايا ذات أهمية قصوى، وبعضهم الآخر يتحدث عن الاستعداد لتنفيذ اتفاق المصالحة كرزمة واحدة. لا حاجة للخوض في أسباب عدم نضج الظروف لإتمام المصالحة لكن ما أوردناه يكفي، لعدم انتظار هطول المطر في شهر آب.
الطرف الفلسطيني، أيضاً، لديه ما يقوله رداً على التهديدات والإجراءات الإسرائيلية، فإذا كانت إسرائيل ستوقف الاتصالات مع الجانب الفلسطيني ما عدا المفاوضات والأمن، فإن على الفلسطينيين أن يتخذوا قراراً بوقف الاتصالات الأمنية ووقف التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي، وبإمكانه، أيضاً، أن يطالب العرب القيام بدور سياسي فعال على الساحة الدولية لفضح السياسة الإسرائيلية وتحميلها المسؤولية عن فشل المفاوضات. مبدئياً كيري صرح أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، أن الفعل الفلسطيني كان في اطار رد الفعل على فعل إسرائيلي هو الذي أدى إلى نشوء الأزمة التفاوضية، ما يعني أن المجتمع الدولي بات متأكداً من أن إسرائيل هي التي تتحمل المسؤولية عن الفشل. ولكن هل وصلت الأمور إلى حد الفشل؟ الأرجح أن تتابع الإدارة الأميركية دورها، لرأب الصدع، وإعادة الطرفين إلى جادة المفاوضات فليس ثمة خيارات أخرى.