رسخت رواية «ذاكرة الجسد» اسم أحلام مستغانمي في المشهد الروائي العربي بعامة، والجزائري منه بخاصة،
وقد أعطى حضور اسم الشاعر الراحل نزار قباني على الغلاف الأخير دفعة قوية لانتشار العمل وجماهيريته، بل وذهب البعض إلى التشكيك بأنه كاتبه أو محرره- إن صح التعبير- لكن سرعان ما أصدرت أحلام العمل الثاني والثالث (فوضى الحواس وعابر سرير) بعده، لتؤكد جدارتها في الكتابة الروائية، على الرغم من أن العمل الأول ظل الأقوى في جمالية المزج بين سير الحدث ولغته الشاعرية العالية، وهذه الأخيرة أثبتت بطولتها في الأعمال الثلاثة، وربما انقشع غبار الالتباس فيمن كتب العمل الأول وتراجعت الكتابات الصحفية التي أشارت يومها إلى أن الشاعر العراقي سعدي يوسف قد يكون هو من حرر الرواية وليس القباني، إنما ما يهمنا أن تلك الأعمال قدمت علاقة الرجل بالمرأة ، في أعلى تجلياتها كصنوين في الحياة والحرية والحب، لكن الكاتبة فاجأتنا بعد وقت ليس بالقليل بنشر كتاب تحت عنوان «نسيان كوم» وفيه تقدم نفسها كخبيرة «روحانية»، تبلسم جراح المرأة البريئة التي فتك بها الرجل العابث بعد أن أسقمها الوجد، وأوجعها سجن التذكر، وغالبتها المشاعر الجامحة، فما كان من مستغانمي إلا تقديم «وصفة النسيان» مؤكدة على الغلاف الأول «حظر بيعه للرجال» ناصحة القارئة في الصفحة الأولى بأن «أحبيه كما لم تحب امرأة من قبل ، وأنسيه كما ينسى الرجال» في « نسونة» واضحة للكتابة، ومعالجة سطحية تجتر ما فعلته من قبلها، أكثر من كاتبة، اعتماداً على ثقافة «مطبخية» قوامها نمائم نساء يوميات واستهلاكيات يتطهرن من خيانة الرجال وغدرهم، متوسلات التحرر من «سي السيد» وبطشه التاريخي، بالانتقام والإهمال والتهميش. فالطريق إلى رفع نسب التوزيع والحفاظ على جماهيرية الاسم بمعناه الضيق، جعل الكاتبة تغرف من «الجاهز» الذي يؤانس نظرة أحادية اعتادتها بعض كاتباتنا في الدفاع عن حقوق المرأة بإقصاء الرجل ، أو بتكرار ثنائية «ذكورة وأنوثة» ، «الضحية والجلاد» ،«القامع والمقموع» الخ.
فأقتات من حكايا ميلودرامية أشبه بالكثير من الأفلام الهندية والمصرية القديمة ، حيث المرأة الملاك يخدعها الرجل الشيطان، وبهذه « الأبلسة» للرجل ورجمه قدر المستطاع ، تغدو الدرب سالكة لتوزيع الكتاب وتوكيد «عقدة الحريم» التي كما يبدو لاعلاقة لها بالسوية الثقافية بقدر ما هي منجم قابل للاستثمار بلا نهاية . وإذا كنا نتفهم أن ينوع الكاتب أعماله الإبداعية حتى لو كان محورها «البصل» إن تمت المعالجة من زاوية عميقة لم نألفها من قبل وبجمالية عالية، لكننا لا نستطيع غفران مفارقاته وابتذاله الفكري قياساً بأعماله لا بأعمال سواه، وأعتقد أن « نسونة» الروح وأبلسة مشاعر الرجل ترسخ هذا الابتذال بل وتدفعنا أكثر نحو مستنقع « الإفراط والتفريط» وذلك لايعني عدم وجود الإبليس مجازاً على الجانبين ، ولا أدري حقاً ما هو موقع هذه الكتابة في سياق تجربة أحلام التي ابتدأت بالشعر وانتهت بالرواية، وهل تعتقد الكاتبة بأن توسل الحرية يمكن أن يؤتى من خلال تهميش الآخر واستفزازه، أم أن المسألة أضحت بمجملها بضاعة قابلة للتصريف يمكن الإبقاء على سعرها من خلال «قنبلة دخانية هنا» ومقال «صوتي » هناك . أعتقد أن مآلاً كهذا أشد بؤساً من الاحتفاظ بمجد كتاب واحد ربما لا يستطيع تاريخ الرواية تجاهله أو إسقاطه من حساباته.
محمود السرساوي