تعطي الحرية للكتابة ـ ربما ـ فسحة لأن تكون هي لا سواها؛ لكن هذا التوكيد في الهوية يستدعي وجود أفق سياسي ثقافي مترابط الحلقات، وقابل للتنوع والاختلاف والمراجعة،
فكي تصل الكتابة مدياتها الحقيقية لا بد من النظر إليها داخل ذلك السياق وتحوّلاته المتواترة والمتشكّلة باستمرار.. فمعاناة الكتابة لا تتضح في تعبيراتها الجمالية بل في المهمش والمسكوت عنه في حضورها وفعاليتها، ويعني ذلك أهمية إعطاء الثقافة بعداً حقيقياً يليق بمكانتها كبنية وحصيلة للمنتج البشري وتطلعاته الواسعة.. فالقول بثقافة محددة ملقاة على عاتق أفراد يعملون في حقل القراءة والكتابة، هو إحالة ناقصة وشكلانية للإحاطة بالثقافة ودورها وأهميتها، إذ تحضر الثقافة في ممارستها كفعل جماعي خلاق يتقاطع وظيفياً مع صفاء مرآة الجوانب الأخرى، لتكون النوافذ بأكملها مفتوحة فلا كتابة معلنة ورفيعة المستوى مع الخواء والتشويش والتهميش ليس في انتاج الفعل الثقافي وحسب، بل في تعبيراته عن ذاته، وعن الآخرين أيضاً. فأية كتابة تلك المؤسسة عبر التغييب والاقصاء والتعليب؟!..
فلا شك في فجاجة السائد كتابة وقراءة وإنتاجاً؛ لكن الاستثناءات فيه هي ما كانت حصيلة مواجهة دائمة معه قبل الإقرار بالقبول أو الرفض في التعامل مع مفرداته.. لم تكن الكتابة مع المسموح والممنوع جاهزة لأن تروي حكايتها، وهي حكاية تراجيدية في المبنى والمعنى معاً، «سواء في الشعر أو النثر أو الإعلام والإعلان والطرب»، إنما تلجأ باستمرار للبحث عمن تفكر فيه ويفكر فيها.. فالذهنية القائمة على توجيه النشاط البشري تخلق معها آليات محددة تعكس مخيلتها وبراءة اختراعها لما سوف يكتب أو يقرأ أو يقال أو يتكلم، والحديث عن تبسيط وتوصيف للآتي يُقطّع أوصال العلاقة بين الموضوع والمحمول، بين وجوده، ووجوبه كما يقال.
فاستردادنا هو أساس استرداد الإبداع وسواه، ولا نستطيع أن نكونه قبل أن نكون نحن نحن، وحسبنا التطلع من نوافذ مواربة هنا وهناك في قراءة الاسئلة ومحاكمة جاهزيتها ووثوقيتها بتواطؤ مسبق على التوليف والالتفاف والتفريغ أحياناً.
زاوية الاسبوع