عباس الجمعة أن أكتب اليوم عن يوم مشهود في حياة الشعب الفلسطيني والعربي، إنه يوم الأسير، هو يوم حافل، حيث نقف أمام عمالقة هذا الشعب الصامد على أرضه هؤلاء القابضين على الجمر خلف القضبان، يعيشون حلم الحرية الآتي لا محالة،
هو يوم يقف الشعب الفلسطيني فيه وقفة العزة والفخار، هو تاريخ شعب يعيش أبنائه في الزنازين في عتمة ليل تلوَن بالسواد الكاحل على مدى عقود من الزمن، حيث نقش أسرى وأسيرات الحرية على الصخر أروع ملحمة في تاريخ الشعوب.
نقف أمام مناسبة عظيمة تشكل نموذجاً يُحتذى، وتجربة يُستفاد منها ويُبنى عليها نحو تطوير الحراك الداعم والمساند للأسرى الابطال والأسيرات المناضلات، وهذا يستدعي جهود فلسطينية من قبل السفارات والدبلوماسيين والجاليات الفلسطينية تساهم في التأثير على الرأي العام في الوطن العربي والعالمي ويزيد من مساحة التضامن مع الأسرى وقضاياهم العادلة. وأمام مناسية يوم الأسير الفلسطيني هذا العام نرى ما يتعرّض له الأسرى والأسيرات حيث يعيشون في ظروف بالغة التعقيد، ووسط تجاهل قضيتهم على المستوى العربي والعالمي، أكثر من ستة آلاف أسير فلسطيني يقبعون خلف القضبان والأسلاك الشائكة، ويعيشون الألم والمعاناة لحظة بلحظة على أمل أن يبزغ فجر الحرية، أمهات وأطفال وزوجات ينتظرون بفارغ الصبر عودة الأحباء إلى حضن الأسرة الدافئ، وهنا السؤال هو واجبنا تجاه قضية الأسرى، وكيف يمكن إبقاء هذه القضية في الصدارة ووقوفاً إلى جانب الذين ضحّوا بالغالي والنفيس من أجل حريتنا وهم ينتظرون استشراق شمس الحرية.
من هنا نقول لم تعد تنفع البيانات والمواقف الموسمية في التعاطي مع قضية آلاف الأسرى في معتقلات الاحتلال الصهيوني، خصوصاً أن الأرقام إلى ازدياد، ولا يمرّ يوم من دون أن يقدم العدو على ممارسة الاعتقال، وهي جريمة ترتكب على مرأى من العالم كله ولا من يسأل أو يحاسب.
لذلك نرى أن القيادة الفلسطينية والقوى الفلسطينية كافة مدعوة إلى فعل مغاير إن كان هناك حرص جدي على تحرير الأسرى من المعتقلات النازية الجديدة، فعل يرتقي إلى مستوى هذه الجريمة التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني كله، لأن هذه المأساة تغطي عموم الفلسطينيين، سواء أكانوا في الضفة أم في قطاع غزة أم في الجزء من فلسطين الذي احتل عام 1948.
إن هذه القضية يجب أن تتصدر الاهتمام اليوم وكل يوم إلى أن يعود كل فلسطيني إلى أسرته وبيته وأرضه وهوائه النظيف، ويجب أن تتعاطى القوى الفلسطينية معها بما تستحق من اهتمام، واللجوء إلى خطوات عملية تفرض على هذا العدو تحريرهم، لأن قضية الأسرى تحتاج إلى تضحية وإلى إقدام وإلى خطوات مسؤولة وشجاعة، والخروج من أسر اللامبالاة في التعاطي معها، من خلال تقديم ملف الأسرى إلى محكمة الجنايات الدولية.
في ظل هذه الظروف تعجز الكلمات عند الحديث عن الأسرى في يوم الأسير الفلسطيني والعربي، لأن كل الكلمات تقف حائرة ونحن نعبّر عن معنى السجن وعذاب السجان، وتعجز أكثر عندما تريد التعبير عن بطولات الأسرى وصمودهم وتحديهم، بمواجهة إدارة السجون التي لم تميز يوماً في تعاملها وقمعها بين معتقل وآخر، فالكل مستهدف، وهم اليوم يستكملون مسيرة الدفاع عن كرامة وشموخ وكبرياء الشعب الفلسطيني والعربي خلف القضبان.
ونحن نفتخر بلا حدود بهؤلاء الأبطال في يوم الأسير الفلسطيني والعربي، ونقول لا بد للقيد ان ينكسر، رغم أنف السجان والاحتلال وغطرسته، ومن هنا يقف القادة المناضلين عنفوان فلسطين أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وفارس الانتفاضة مروان البرغوثي عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" ورموز النضال فؤاد الشوبكي وخالدة جرار وباسم الخندقجي وسامر العيساوي ووائل سمارة والقادة وأعضاء المجلس التشريعي ورئيسه الشيخ عبد العزيز دويك وكافة الأسرى والأسيرات بمواجهة الواقع المرير، رغم تصاعد تلك الإجراءات بحقهم لتصل في مرحلة متقدمة إلى التصفية الجسدية، ولهذا نقول بأن هناك خطراً حقيقياً على حياته.
في هذا اليوم العظيم نقول إن استمرار اعتقال أبناء شعبنا لا مبرر له حتى وفقاً لقوانين الإحتلال الظالمة وما يتخذ ضدهم العدو الصهيوني من ‘جراءات، إنما هي بمجملها ‘جراءات سياسية انتقامية ثأرية بالدرجة الأولى تستهدف اضطهاد شعبنا وأبنائه وأسراه، في ظل انحياز مجتمع دولي لمصلحة الاحتلال.
إن عزل المناضلين واتخاذ إجراءات عقابية بأشكال جديدة بحقهم، يجب أن ينقلنا من ردات الفعل إلى العمل الممنهج المتواصل والمتراكم من أجل حرية كل الاسرى والأسيرات، لأن هذا الإحتلال لا يميز في تعامله ما بين أسير وآخر، فالكل مستهدف، والكل يتعرض لصنوف مختلفة من التعذيب النفسي والمعنوي والجسدي ، وحقوقهم الأساسية تُنتهك وتُسلب على مدار اللحظة، بدءاً من أشكال الاعتقال ومروراً بالتعذيب واستخدام القوة المفرطة وصولاً إلى الحرمان من الزيارات والعزل الإنفرادي والتنصل من توفير الإحتياجات الأساسية للأسير من مأكل ومشرب وعلاج الخ.
من هنا نطالب بفضح تلك الإنتهاكات، باعتبارها ترتقي إلى مصاف جرائم حرب، وليس هناك من تشابه على الإطلاق ما بين الواقع المرير للسجون والمعتقلات الإسرائيلية من كافة النواحي وما بين نصوص المواثيق والإتفاقيات الدولية، وهذا يستدعي مما يتطلب تدويل هذه القضية، بما فيها استخدام آليات جديدة وأدوات نضالية، فهؤلاء اعتقلوا وأفنوا زهرات شبابهم في سجون الاحتلال، ومنهم من تحرروا بعد مضى عقود وسنوات من أعمارهم ووخرجوا مرضى وهم يعانون من اوضاع صحية، فيما لا يزال الالاف منهم قابعين في غياهب سجون الاحتلال.
إن هؤلاء المناضلين والمناضلات يشكلون بصمودهم عنوان القضية الفلسطينية ، وهم مفخرة لكل فلسطيني وعربي، كيف لا وان فلسطين أنجبتهم، ليثأروا بنضالهم لكل من هو فلسطيني وعربي عانى من الإحتلال وبطشه وبالتالي ان النضال من أجل حرية الاسرى، هو واجب وطني وعلى الجميع العمل بهذا الإتجاه.
وأمام هذا اليوم العظيم نتوجه بتحية الإكبار والإجلال والتقدير للحركة الأسيرة وشهدائها وقادتها وفي مقدمتهم الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية القائد الشهيد الكبير الأسير محمد عباس "أبو العباس" الذي استشهد في أقبية التحقيق ومعسكرات الاعتقال في العراق وهو يواجه الجلاد المحتل الأمريكي الصهيوني الذي لم يتمكن من كسر إرادته حيث شكل باستشهاده شاهداً على حقيقته العنصرية الإجرامية، والقادة الشهداء عمر القاسم ووليد الغول وقاسم أبو عكر وإبراهيم الراعي والعديد من الشهداء الذين رسموا لنا الطريق من أجل استعادة كافة حقوقنا بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس رغم كل الظروف المؤلمة التي نمرّ بها.
وغني عن القول نقول بكل وضوح أن هناك أمانة يجب أن نمضي فيها من أجل الحفاظ على دور الحركة الأسيرة بكافة هيئاتها ومؤسساتها ولجانها باعتبارها تشكل من خلال تمسكها بإرثها النضالي العريق ومسيرتها الرائدة نقطة تحوّل مضيئة بحمل الأمانة في الدفاع عن كل الأسرى والمعتقلين.
ولذلك أسجّل للأسير المحرر المناضل القائد محمد التاج كل الفخر والاعتزاز وهو يصمد على مرضه وأوجاعه، ونقول لنرفع الصوت عالياً للتضامن معه من أجل استكمال علاجه، هذا المناضل الذي لعب دوراً طليعياً حفاظاً على سنديانة جبهة التحرير الفلسطينية ومبادئها وأهدافها الوطنية والقومية والأممية، في هذا الزمن العربي الرسمي الصامتْ المحكوم بأفكار الظلام والتخلف والخضوع باسم الواقعية والهبوط السياسي الانتهازي وأوهام ما يسمى الربيع العربي، فهو سيظل نبراساً مضيئاً مع كل رفاقه الأسرى الذين ما زالو يتحدون ظلام المرحلة وهبوطها بمثل ما نتحدى بشاعة الانقسام، وهذا يستدعي منا استعادة روح شعبنا واستنهاض مسيرته الثورية حتى تحقيق الأهداف الوطنية المشروعه في الحرية والاستقلال والعودة التي استشهد من أجلها الآلاف واعتقل وأسر أيضاً الآلاف من أبناء شعبنا من أجلها.
أن يستمر نضالنا المشترك ليس فقط من أجل التضامن معكم ولكن من أجل حريتكم وكل رفاقنا وإخواننا الأسرى لنفرح معاً ونواصل النضال من أجل الحرية والعودة وإقامة دولة فلسطين الديمقراطية. كل عام وأنت بخير رفيقي أبو غسان.
ومن هذا الموقع نتوجه بالتحية لرفاقنا الأسرى الأبطال القادة وائل سمارة ومعتز الهيموني ووائل أبو شخيدم وشادي أبو شخيدم ولكل أسرى وأسيرات الحرية الابطال الذين آمنوا بأن النضال داخل قلاع الأسر ليس بأقل من خارجه وهم يخوضون معركة الحرية، ويتطلعون إلى تحريرهم وعدم ابقائهم رهينة في قبضة الإحتلال لعقود قادمة.
وهنا نقول تنحني الهامات، ونحن نقف وقفة شموخ أمام هؤلاء الأبطال الأسرى والأسيرات في سجون الإحتلال، الذين هم بحاجة ماسة لوحدتنا وللعمل الجدي من أجل إعادة الإعتبار لقضيتهم على كافة المستويات وتجنيبهم آثار الإنقسام وتداعياته الخطيرة، وتفعيل الأنشطة المساندة لهم ولقضاياهم العادلة وفق خطة استراتيجية متكاملة تعتمد على العمل التراكمي في الفعل، وبالإستعانة بمؤسسات حقوق الإنسان وهي كثيرة ورائدة في فلسطين، ففعلنا ضعيف لا يوازي حجم الجرائم التي ترتكب بحق أسرانا، فلننفض غبار الكسل ولننطلق صوب الفعل المؤثر لدعم الأسرى البواسل الذين يتعرضون للقتل البطيئ من خلال منظومة من الإنتهاكات الجسيمة والقوانين التعسفية والجرائم متعددة الأشكال، وبذلك نكون أوفياء لقضية الأسرى ومتابعة الدرب الذي ساروا عليه وحملوا القضية التي اعتقلوا من أجلها، نطالب بحريتهم بعد أن دفعوا الثمن الذي يمكن آن يدفع في سبيل الأهداف التي آمنوا بها وهي تحرير الأرض والإنسان، وليس تقديم التنازلات، ومن أجل استمرار نضالنا من أجل حريتهم نواصل النضال من أجل تحقيق الحقوق المشروعه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولة فلسطين كاملة السيادة وعاصمتها القدس.
وهنا أقف لأسجّل كل التقدير والاعتزاز للحركة الأسيرة، واللجنة الوطنية للدفاع عن الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الصهيوني والحملة الأهلية لنصرة فلسطين والجمعية اللبنانية للأسرى والمحررين ومركز الخيام على دورهم العظيم في حمل قضية الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال الصهيوني، باعتبار ذلك واجب كل فلسطيني وعربي، وأن ما تقوم به هذه الهئيات من فعل مؤثر وهام هدفه فضح جرائم الاحتلال وكشفها أمام الرأي العام العربي والدولي، فالمعركة هي معركة فلسطين ومعركة الأسرى الأبطال رغم كل الظروف المؤلمة التي نمرّ بها.
ختاماً: تحية وفاء وتقدير واعتزاز إلى الأسرى البواسل والاسيرات المناضلات في سجون الاحتلال في فلسطين والجولان، تحية إلى كل أسرة أسير، في يوم الأسير. ونقول هؤلاء الأسرى الذين يصنعون بعزيمتهم وابتساماتهم رسالة الأمل رغم عتمة السجن وقيد السلاسل، لذلك لابد أن تشرق الشمس ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر فمهما طال ظلم السجان ومهما طال الزمان ومهما استمرت المعاناة والظلم والقهر والاستبداد فلابد أن تفتح أبواب السجون وتنكسر إرادة الجلاد آجلاً أم عاجلاً.