Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

نصيحة بدون جمل... طلال عوكل

نصيحة بدون جمل...  طلال عوكل

  عندما يتعرّض الإنسان لضغط نفسي وعصبي، أو لحالة توتر، ما عليه سوى أن يتحلّى بأقصى درجات الهدوء والتحكّم في أعصابه، وإلاّ أصابته نوبة قلبية أو دماغية.

 

المواطن في قطاع غزة لم يعد بحاجة إلى نصيحة الطبيب، فهو بات يعرف ما عليه أن يفعل في حالات كهذه، تتكرر أمامه بصورة مستمرة إما في العائلة أو عند الجيران، أو الأصدقاء، أو خلال العمل.

والمواطن في قطاع غزة، لم يعد بحاجة إلى المعلومات الصحيحة، أو غير الصحيحة التي تصدر عن مؤسسات وطنية أو دولية، بشأن تداعيات الأزمة الخانقة التي يمر بها وتزداد تفاقماً وصعوبة.

يكفي المواطن أن ينظر من حوله حتى يعرف أن معدلات الإصابة بالجلطات الدماغية والقلبية، والأورام السرطانية، ومرض الضغط والسكّر، هي تتخطى مراحل الخطورة وأن يعرف المواطن، أيضاً، أن ثمة ارتفاعا في معدلات ونسب الطلاق قبل الزواج، وخلال سنواته الأولى، وأن يعرف أن البطالة والفقر، يشكلان ظواهر مقلقة جداً.

هكذا فإن كل سكان القطاع: فقراءهم وميسوريهم، وأغنياءهم، صغارهم وكبارهم، قد أصبحوا مرضى وأطباء، وما عليك إلاّ أن تؤمّ بيت عزاء لمريض وافته المنيّة، حتى تسمع ممن حولك تحليلات طبية متنوعة لطبيعة المرض وأسبابه، والأخطاء التي تقع أو لا تقع من قبل الأجهزة الطبية. تماماً هي الحال على المستوى السياسي، فما أن تحظى بالجلوس في تجمُّع من الناس حتى يسألوك عن مآل الحال والأحوال، باعتبارك مُحلّلاً سياسياً، أو مُنجِّماً، ولكنهم لا يمنحونك الفرصة للإجابة عن أسئلتهم، إذ يبادرون مع جملتك الأولى، إلى الخوض في التحليل، المستند إلى معلومات محققة مئة في المئة! في هذه الحالة ليس عليك إلاّ أن تلوذ بالصمت وأن تختفي وراء تواضع معلوماتك وتجربتك وقدراتك العلمية أو التحليلية العملية.

نحن في قطاع غزة، حالنا كحال من ينقطع التيار الكهربائي عنه وهو في داخل مصعد كهربائي، لا يتوقع أن يأتيه الفرج قبل ساعة من الزمن.

كل المنافذ مغلقة من حولنا، حتى البحر، لم يعد يجود لسكان القطاع، ببعض خيراته، أما على حدود القطاع الشرقية والشمالية، فإن القوات الإسرائيلية تواصل إطلاق النار على كل من يتحرك، داخل حدود ثلاثمائة إلى خمسمائة متر عن الشيك ما يعني حرمان القطاع من الاستفادة من نحو 30% وأكثر من أراضيه الزراعية.

أما معبر رفح، فهو مغلق منذ ما يقرب الشهر، دون أن يعرف أحد متى يمكن أن يتم فتحه مرة أخرى ليومين أو ثلاثة كل أسبوعين.

حين اتخذت محكمة القضايا المستعجلة في مصر قرارها باعتبار حركة حماس حركة محظورة كان على قادة الحركة أن يتحلّوا بالمزيد من الصبر وهدوء الأعصاب، لأن الانفعال قد يؤدي إلى جلطة دماغية عابرة، أو جلطات متتابعة قد تؤدي إلى الشلل.

لقد حاولت الحركة كل ما تستطيع، لترميم العلاقة مع مصر ولم تتوقف عن التأكيد على ما تعتبره مبادئها، التي تحظر عليها التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وعلى أنها حركة وطنية فلسطينية، لا تتخلى عن أيديولوجيتها، ولا عن ارتباطها التنظيمي بحركة الإخوان المسلمين، حتى لو اعتبرها القضاء المصري جماعة إرهابية ونقصد الجماعة.

باختصار لم تنفع كل الرسائل التي وجهتها الحركة لمصر في ترميم العلاقة المتوترة، لكن تلك الرسائل لم تكن منسجمة مع الخطاب الإعلامي الذي تبثه بعض وسائل الإعلام المحسوبة على الحركة.

في الواقع فإن تصعيد التوتر بين مصر وحركة حماس وحكومتها، ويدفع أهل غزة، جزءاً من الثمن، لا يرتكز على المعطيات الإعلامية والتصريحات، التي تنشرها وسائل الإعلام سواء كانت سلبية أو إيجابية، إذ لا تتوقف الدوائر الإعلامية والأمنية وأحياناً السياسية في مصر، عن الحديث عن معطيات عملية حاولت حماس نفيها وتفنيدها دون جدوى، فيما لا يستطيع المواطن تصديقها أو تكذيبها.

في كل الأحوال هذا هو الواقع كما هو، وما على السياسي إلاّ أن يقرأ الواقع والوقائع جيداً، وأن يبحث عن مخارج مناسبة وسليمة وفي الأوقات المناسبة لتأمين الخروج من الأزمة، أو على الأقل تخفيف وطأتها وتبعاتها.

المملكة العربية السعودية اقتفت أثر مصر، وأعلنت حركة الإخوان المسلمين حركة إرهابية محظورة، وهو قرار سياسي ذلك أن السعودية لا تسمح لأي نشاط حزبي على أراضيها.

دولة الإمارات العربية المتحدة تشن منذ وقت حملة ضد الجماعة، بما أنها جماعة محظورة، ومن المرجّح أن تتخذ هي الأخرى وربما دولة خليجية وغير خليجية، القرار ذاته الذي اتخذته السعودية.

وعلى خلفية دور قطر في المنطقة، بما في ذلك، دورها في دعم جماعة الإخوان المسلمين، أقدمت ثلاث دول خليجية هي: السعودية والإمارات، والبحرين على سحب سفرائها من الدوحة، والعلاقة بينها وبين قطر تزداد تدهوراً وسوءاً.

في حصيلة التقييم العام للمتغيرات التي تجتاح المنطقة، تجد حماس نفسها في موقف صعب، وأزمة عميقة، خصوصاً حين تدخل في حالة من العداء مع الدول العربية المركزية الثلاث، مصر وسورية والسعودية، فيما لم ترمم علاقاتها مع إيران وتركيا منشغلة بمشكلاتها الداخلية التي تزداد صعوبة وتأزماً.

في هذه الحالة ينبغي على قيادة حماس، أن تتمعّن المشهد جيداً، وأن تمعن في قراءة وتحليل الوقائع التي تتشكل من حولها، ليس بوصفها حركة فقط وإنما بوصفها جزءاً لا يتجزأ من الحركة الوطنية الفلسطينية، التي عليها أن تتحمّل جزءاً من المسؤولية يناسب حجمها ودورها.

إن العصبية لا تنفع ولا تنفع ردود الأفعال الغاضبة، والاحتجاجات، فهذه لا تزيد الطين إلاّ بلّة، وليس من شأنها سوى مفاقمة الأزمة وتوسيع مفاعيلها وتداعياتها السلبية.

لا يمكن أن يكون سليماً، القرار بمجابهة مصر إعلامياً أو سياسياً أو جماهيرياً، ومن غير المناسب اللجوء إلى الاتهامات والشتائم، وإطلاق الشعارات الغوغائية، أو تصعيد الموقف عسكرياً مع إسرائيل، حتى يتم حل المشكلة أو الأزمة مع مصر.

ثمة طريق واحد، وخيار واحد، أمام حركة حماس، وهو أن تمضي فيما بدأته، من رسائل إيجابية تتعلق بتحسين المناخات الداخلية، وإعادة ترتيب العلاقات الوطنية، وصولاً إلى المصالحة.

وفي هذه الحالة ينبغي أن تدرك قيادة حماس، أن عليها الأخذ بأقل الخيارات تكلفة، وكل الخيارات مكلفة بما في ذلك خيار المصالحة، ولذلك عليها أن تكون مستعدة لدفع الثمن، طالما أنه يصبّ في المصلحة الوطنية العامة، ولكن عليها أن تدرك أخيراً، أن التردد والتأخير لا يمكن أن يمرّ دون ثمن.