الزيارة التي يقوم بها وفد من اللجنة المركزية لحركة فتح لقطاع غزة، حظيت باهتمام واسع من قبل وسائل الإعلام،
التي تتشوق لتغطية أية أخبار أو أحداث فلسطينية حتى تضفي قدرا من التنوع على برامجها التي سئمت من ملاحقة الأحداث النشطة التي تعيشها بعض الدولة العربية.
لا يعني ذلك أبداً، التقليل من قيمة أو أهمية الوفد، ومستواه، وما يمثل، أو ما جاء من أجله، لكن طبيعة الاستقبال الاحتفالي الذي جرى من قبل حركة فتح ومن قبل المسؤولين في حماس، أضافت المزيد من الاحتفالية لزيارة الوفد "الصديق"!. اللغة المستخدمة والعبارات المنتقاة التي يجري استخدامها، وطبيعة الإجراءات المتبعة في مثل هذه الزيارات التي تحتاج إلى تصاريح خاصة، وموافقات، وترتيبات، تقدم المزيد من الدلالات غير المرغوبة، على ما وصل إليه الحال الفلسطيني بسبب استمرار وتفاقم وتبلور مخرجات الانقسام، لا يتعلق الأمر فقط بالوفد، وبعض أعضائه هم من أبناء قطاع غزة، بل انه يمتد ليشمل معظم إن لم يكن كل الذين غادروا قطاع غزة لأسباب سياسية بعد الانقسام.
أحد الأصدقاء هاتفني من غزة، وهو من مواليدها وسكانها لكنه مقيم مؤقتاً في الضفة الغربية، حين سألته عن أسباب الزيارة، قال إنه يرغب فقط في تأكيد حقه وحريته في العودة إلى القطاع، ولكنه مع ذلك يحتاج إلى تنسيق واتصالات مسبقة مثل غيره من أمثاله.
واضح أن المناخ العام في قطاع غزة يتسم بإيجابية أكثر من أي وقت مضى، إزاء كيفية التعامل والتعاطي مع موضوع العلاقات الوطنية، وان مثل هذا المناخ يضفي قدراً أكبر من المصداقية إزاء خطاب المصالحة، الذي تطلقه حركة حماس منذ أشهر.
على أن زيارة الوفد الفتحاوي لم تكن في الأساس من أجل المصالحة، وإن كان من الطبيعي، أن يجري اتصالات، وحوارات مع حماس وغيرها لبحث موضوع المصالحة، وإلاّ لما قيل عن أن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد، مستعد لأن يأتي إلى غزة، إذا كانت الأمور جاهزة من قبل حماس.
المهمة الرئيسية للوفد مكرسة، لإعادة بناء تنظيم الحركة في القطاع، بعد أن استقالت الهيئة القيادية، وبعد أن تفاقم الانقسام بين جسم الحركة، وتيار عضو اللجنة المركزية المفصول محمد دحلان، ولذلك كان على الوفد أن يواصل وجوده ويتابع مهماته إلى ما بعد انتهاء همروجية او احتفالية المصالحة التي لا مخرجات حقيقية لها حتى الآن سوى تكريس المناخات الإيجابية.
علمنا أن ثمة استعدادا لدى حركة حماس للموافقة على تشكيل حكومة الوفاق الوطني، وإجراء الانتخابات خلال ستة أشهر، فإن كان ما علمنا به غير صحيح، فإنني أعتقد أن الحركة لم تعد ترفض هذا الاشتراط الذي تصر عليه حركة فتح منذ وقت طويل. وعلمنا، أيضاً، أنه تم الاتفاق على تشكيل لجنتين واحدة لمعالجة شؤون الطاقة، والأخرى أمنية، أما الأمنية فقد تم تحميلها أبعاداً محدودة، وكأن مهمتها معالجة موضوع معبر رفح، وربما موضوع الاعتقالات.
في الواقع، فإن ما جرى الاتفاق عليه، يفترض أن يكون كافياً لكسر الجمود والذهاب مباشرة على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في القاهرة في أيار 2011، وفي الدوحة، ولكن لماذا لم يتم اطلاق صافرة البدء بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وهل ثمة استحقاقات أخرى، يتستر الجميع عليها؟
في أكثر من مرة، أشرنا إلى النواقص الأساسية التي تعاني منها اتفاقيات المصالحة وفي أكثر من مرة أشرنا، أيضاً، إلى أن اتفاقيات المصالحة، جاءت بما تضمنته نتاج مرحلة ما، وبيئة ما، وشروط معينة، ما أن تتغير وقد تغير كل ذلك، حتى تصبح غير مؤهلة، وتحتاج إلى مراجعة، وإضافات أو تعديلات، وقديماً وحديثاً يقال، إن ما هو صحيح بالأمس قد لا يكون صحيحاً اليوم.
والسؤال الأساسي هو هل يستطيع الفلسطينيون إدارة شؤونهم السياسية، والقيام بواجباتهم الوطنية باستقلالية تامة عن الظروف والمناخات السياسية التي تحيط بهم، ويتفاعلون بقوة معها؟
في هذه المرحلة القيادة الفلسطينية تدير مفاوضات صعبة مع إسرائيل، والأرجح أنها مفاوضات مع الولايات المتحدة، في اطار الجهد الذي تبذله إدارتها وعلى رأسها وزير الخارجية جون كيري من أجل إحداث اختراق في عملية التسوية.
حركة حماس، خارج هذا الاطار، وهي تعلن صباح مساء رفضها لكل هذا المسار، وبعض الفصائل هددت، وتعتقد أنها قادرة على مجابهة وإفشال هذا المسار، ولكن حتى وإن قال الرئيس الأميركي باراك اوباما، إن الجهد الأميركي متواصل ويمكن ترك قطاع غزة إلى حين، نقول حتى لو كان ذلك صحيحاً فهل يمكن للطرف الفلسطيني أن يتجاهل ذلك، وهل يمكن للولايات المتحدة، أن تواصل تجاهل قطاع غزة إذا أرادت النجاح؟ واستطراداً، فإن إسرائيل المرتاحة لبقاء حالة الانقسام الفلسطيني وتوظفها في الضغط على المفاوض الفلسطيني، إسرائيل، التي لا تثق بوجود وضمانات الناتو في اطار ترتيبات تتعلق بأمن الضفة، لا تثق بالمقاومة الموجودة في غزة حتى لو كانت تملك قدرات قتالية أقل مما تحوز عليه، ولكن سؤال غزة بالنسبة لإسرائيل مؤجل قليلاً، وهي ستبادر إلى تفعيله حين ترى ضرورة لذلك. إذاً الموضوعات التي لا يتحدث بشأنها الفلسطينيون كثيراً، على أهميتها ومركزيتها، تتعلق بالأمرين السياسي والأمني.
بالنسبة للأمر السياسي، مطلوب أن تتكيف حركة حماس أساساً مع استحقاقات، ومناخات التفاوض، وما لم تقدم إشارات واضحة عن استعدادها للتكيف، بشكل أو بآخر، فإن المطلوب مواصلة عصرها إلى أن تضطر لتقديم صيغ مناسبة قد لا تصل بالضرورة إلى الإعلان الرسمي الصريح عن تجاوبها مع خيار المفاوضات وربما تستطيع مواصلة رفضها ولكن بدون أن تحرك شيئاً لتعطيلها.
ثمة سوابق حين وافقت حماس بناء لاتفاق مكة على أن المنظمة هي المسؤول والمفوضة سياسياً، وحين أعطى الأخ خالد مشعل، في القاهرة، خلال الاحتفال باتفاق المصالحة حين أعطى فرصة للمفاوضات.
الموضوع الأمني يتعلق بفصائل المقاومة المسلحة، من كتائب القسام إلى كل الكتائب والسرايا والمجموعات، التي لم يتحدد مصيرها أو كيفية التعاطي معها، في حال تنفيذ اتفاق المصالحة فهل سيتم استيعابها، أم تحييدها، أم ماذا؟ هذا الملف واحد من أصعب الملفات التي لا يمكن تجاهلها في أي اتفاق للمصالحة، واستعادة الوحدة، وحيث لا يمكن مواصلة الفصل الكامل بين نهج المفاوض ونهج المقاومة وفق المفهوم الدارج، ولذلك نعم المصالحة تحتاج إلى حوارات معمّقة، وربما بعيداً عن الأضواء، لاستكمال ما جرى تجنبه أو تهميشه في مرحلة الحوارات التي أدت إلى اتفاق القاهرة، ومثل هذه الحوارات ينبغي أن تتم في اطار مراجعة وإعادة النظر في الاستراتيجية، والخيارات.