Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

هـل انتصـرنا؟.. هاني عوكل

هـل انتصـرنا؟.. هاني عوكل

  أخيراً وبعد 51 يوماً للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، يتوقف هذا الأخير وفق تهدئة بوساطة مصرية وقبول الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، تؤسس لمفاوضات غير مباشرة تستأنف لاحقاً ويفترض أن تقود إلى تثبيت هدنة مستقرة.

 

الاحتفالات وأجواء البهجة كانت واضحة على أهالي قطاع غزة الذين خرجوا إلى الشوارع وتتقدمهم المقاومة معلنة النصر على الاحتلال الصهيوني، وعلى الجانب الآخر لم تحتفل "إسرائيل" بانتهاء العدوان، باستثناء رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير حربه موشي يعالون، اللذين اعتبرا أن المقاومة لم تحصل على شيء وأن الاحتلال هو المنتصر.

هل حققنا نصراً من وراء هذا العدوان الإسرائيلي ومن فاز في هذه الجولة؟ سؤال يبدو أن أغلب المحطات الإعلامية والتحليلات الصحفية منشغلة في الإجابة عنه، خصوصاً وأن هذا العدوان هو الأطول والأكثر تكلفة في تاريخ العدوانات الصهيونية على الشعب الفلسطيني.

فلسطينياً يمكن القول إننا حققنا انتصاراً مرحلياً، بمعنى أن ثلاثية الصمود لم تنكسر أمام الطاغوت الصهيوني، صمود المقاومة وصمود الوحدة الوطنية، وفي طليعتهم صمود الشعب الفلسطيني الذي يثبت في كل مرة أنه صمّام الأمان الأهم وحامي القضية والمشروع الوطني الفلسطيني. هؤلاء جميعهم تمكنوا من الصمود في وجه كل الدمار والفساد الصهيوني.

الانتصار المرحلي لا يعني بطبيعة الحال أننا حصلنا على علامة مائة بالمائة في هذا الامتحان، ذلك أن قضايا جوهرية وعالقة ما تزال طائرةً في السماء وحالها مجهول، ما يجعلنا بحاجة إلى صون وتمكين الوحدة الداخلية باعتبارها عنوان الثبات والصمود الفلسطيني.

صحيح أن الفلسطينيين كانوا يتطلعون إلى هدنة مستقرة في إطار هذا الدمار الصهيوني الممنهج، لكن الشعب الفلسطيني بكل أطيافه كان مستعداً لدفع أثمان باهظة واستكمال التصدي للعدوان، من أجل الحصول على الحد المناسب لتطلعاته والمتعلقة تحديداً برفع الحصار عن قطاع غزة.

نعم إنه انتصار لكنه ليس كاملاً بعد، ويحتاج إلى الاستعداد لاستكمال جولة المفاوضات السياسية نحو تحصيل باقي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، أما "إسرائيل" فهي بهذا العدوان الذي ابتدأته على القطاع وشنته من أجل عدة اعتبارات، فإنها المتضرر الأكبر في هذا الميدان.

نتنياهو الذي يعلم ماذا سيحل به في المستقبل المنظور، خرج إلى الإعلام يتحدث عن انتصار الاحتلال على المقاومة، وهو يدرك في قرارة نفسه أنه أكل "خازوقاً" من العيار الثقيل، ذلك أن "إسرائيل" حقيقةً لم تحقق ولا هدفاً واحداً من وراء عدوانها العسكري على قطاع غزة.

حتى في مرحلة تصحيح المسار المتعلق باستكمال العدوان بعد سريان تهدئة أطلقتها مصر، قرر الاحتلال تصعيد خطه العسكري عبر المساس بالقيادات العسكرية للمقاومة، والتدقيق على استهداف المدنيين أملاً في البحث عن انتصار، ومع ذلك خرج نتنياهو وجنوده من هذا العدوان بخفيّ حُنين.

بعد كل ذلك، هل انتصرت "إسرائيل" في هذا العدوان؟ أبداً لم تنتصر وتلوح في الأفق دلائل كثيرة على فشل الاحتلال في "جرفه الصامد"، فأولاً أدى هذا العدوان إلى تعميق الشرخ السياسي بين نتنياهو وحلفائه ومعارضيه، ولم يمس ذلك المستوى السياسي والعسكري في الهرم الإسرائيلي الحكومي والحزبي، فقط وإنما تعداه إلى الرأي العام الذي كان يؤيد رئيس الحكومة في عدوانه، فيما هبط هذا التأييد إلى أقل من النصف وتغير المزاج الإسرائيلي من مع إلى ضد نتنياهو.

ثانياً: أحد أهداف الاحتلال لشن عدوان على غزة، تضمن ضرب الوحدة الفلسطينية وإصابتها في مقتل، ولم يتحقق هذا الهدف الذي كان فيما مضى وكل الوقت، يشكل المصلحة المهمة للاحتلال من أجل استكمال مخططاته وشل القضية الفلسطينية تمهيداً لتصفيتها.

ثالثاً: أراد نتنياهو من العدوان الأخير ترميم صورة الجندي والجيش الذي لا يقهر والذي يمتلك عقيدة قتالية مبنية على سنوات طويلة من الخبرات والجاهزية العسكرية والتكنولوجية، وقد أفسد العدوان مرةً أخرى هذه الصورة وكسر قوة "إسرائيل" التي ظلت كثيراً تتفاخر بإمكانياتها العسكرية والقتالية والتي فقدت هذه السمعة منذ العام 2006.

رابعاً: لم يتوقف إطلاق القذائف الفلسطينية إلا بأمر من قيادات المقاومة، وأخفقت القبة الحديدة في جلب الأمن للإسرائيليين، ودخل الهاون سلاحاً فعالاً مؤثراً ومقلقاً على المستعمرات والساكنين فيما يسمى غلاف غزة.

من الطبيعي أن تضعف قوة المقاومة الفلسطينية في عدوان يقوده احتلال يعيش و"يتبرطع" على تاريخ مبني على التفوق العسكري، لكن مع ذلك صمدت هذه المقاومة ويحسب لكل أذرعها العسكرية أنها كانت على مستوى المسؤولية الوطنية في التصدي لكل أشكال العدوان.

خامساً: نتنياهو الذي استكمل العدوان بعد توقفه بمسكنات التهدئات المؤقتة مؤخراً، أخذ قراراً بهذه التهدئة الأخيرة دون العودة إلى مجلسه الوزاري المصغر المنقسم حول القبول من عدمه لها، الأمر الذي يعني أننا سنشهد في الأيام المقبلة ارتفاعاً في حدة الانتقادات التي تستهدف نتنياهو، ومن غير المستبعد أن يسقط مع حكومته في شرك أفعاله.

سادساً: تمأزقت "إسرائيل" كثيراً من جراء عدوانها على غزة، و"انفضح عرضها" أمام العالم، خصوصاً أمام الرأي العام قي أميركا وأوروبا، حيث خرجت مسيرات عارمة تندد بهذا العدوان، حتى أن العلاقة بين الإدارة الأميركية ونتنياهو وحكومته ليست في أفضل حال أبداً.

هذه الدلائل تفسّر بما يقطع الشك، أن "إسرائيل" وقعت في شرّ أعمالها، وأنها فشلت فشلاً ذريعاً من وراء عدوانها المقصود على قطاع غزة، ويكفي فقط أنها ستشعل عاجلاً أم آجلاً حرباً وعداوات داخلية على المستوى السياسي والعسكري من شأنها أن تطيح بمستقبل نتنياهو وغيره من القيادات الأُخرى.

الآن ماذا بعد؟ طالما وأن الفلسطينيين حققوا انتصاراً مرحلياً بصمودهم ووحدتهم الداخلية، فيبقى هناك مرحلة مهمة من المفاوضات المرتقبة مع الطرف الإسرائيلي، ما يعني أننا منفتحون على احتمالات كثيرة، لأن المفاوض الإسرائيلي سيد من يتهرب من الاتفاقات.

الحديث لا يجري عن قضايا سهلة أو بسيطة، إنما هي أهم القضايا الجوهرية التي بالحصول عليها يمكن القول إن الفلسطينيين بالفعل انتصروا، لأن موضوع الميناء والمطار وتوسيع منطقة الصيد البحري وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين وربط الضفة بغزة، جميعها قضايا مهمة جداً.

هنا يكمن الانتصار الحقيقي وهذا هو مربط الفرس الذي علينا الاستعداد والتجهيز له، دون أن نغفل حقنا في محاسبة الاحتلال على جرائمه ووضعه في القاع كما هو حالياً، ولا يجب أن يجعلنا الانتصار المرحلي مسترخين على الآخر دون أن نحسب الحساب لمفاوضات الغد.

المقاومة الفلسطينية وجهت للاحتلال صفعةً على وجهه لن ينساها أبداً، وكذلك حال الوفد الفلسطيني المفاوض الذي أنجز تفاوضياً على قاعدة الوحدة الوطنية، والمطلوب الإبقاء على وحدة الحال والاستنفار لمواجهة الاحتلال سياسياً وتحصيل الحد المعقول من حقوق الشعب الفلسطيني.