بقلم : هيثم أبو الغزلان
ما بين فعل التّحرُّر من سجن جلبوع (6/9/2021) الذي أدّى إلى الفعل المؤسّس (كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس)، واستمراريّة المقاومة بأصعب الظروف وأعقدها، وردّ فعل العدو المستمر للقضاء على المقاومة، والاستمرار بمشروعه لحسم الصراع على مستقبل الضفة؛ تبقى سرايا القدس والمقاومة تكرّس مشروع مناهضة الاحتلال ومقاومته.
ففي ذكرى تنفيذها الثانية، شكّلت عملية التحرر من سجن جلبوع شديد التحصين، والتي نفذها ستة أبطال (محمود العارضة، محمد العارضة، أيهم الكممجي، مناضل نفيعات، يعقوب قادري -جميعهم من الجهاد الإسلامي- وزكريا الزبيدي من كتائب شهداء الأقصى)، بتاريخ (6/9/2021)، نقطة تحوّل في مسار الفعل المقاوم في الضفة المحتلة. ووجّهت ضربة شديدة الإيلام لمنظومة الأمن الصهيونية، وشقّت لاحقًا مسارًا في مقارعة الاحتلال بالغ الأهمية لناحية الظروف، والتوقيت، والدّلالات، والمسار الذي سلكته سرايا القدس (كتيبة جنين)، والمقاومة بشكل عام. وهو ما خلق معادلات سياسية وأمنية جديدة، وأحدث نقطة تحوّل في الفعل المقاوم، بإصرارها الواضح على تصعيد المقاومة، وإنهاء الاحتلال.
وهو ما حدا بأمين عام حركة الجهاد الإسلامي القائد زياد النخالة، على وصف مُنفّذي العملية الأبطال: بـ"كتيبة جنين"، لما اختزنه هذا الفعل من معانٍ كبيرة، ونضالٍ تماهى مع كل فلسطين، وانتشر في كل ربوعها، وتصاعد مستمر يُقلق قادة الاحتلال، لتصاعد تأثيره من جهة، وكلفته العالية على الاحتلال من جهة أخرى.
لقد أثبتت الوقائع أنّ الشعب الفلسطيني لم يُهزم، ولن يُهزم، وأنّ ما طرحه زعماء الحركة الصهيونية، ومنهم زعيم التيار التصحيحي زئيف جابوتنسكي، القاضي بتنفيذ المشروع الصهيوني بالقوة ومن طرف واحد، عبر خلق "جدار حديدي" لن يستطيع العرب مقاومته أو هدمه، وسيُواصلون ضرب رؤوسهم به حتى تتهشّم، ويصلوا إلى نتيجة أنه لا جدوى من الاستمرار بذلك، وسيقبلون بما تريده "إسرائيل" عن ضعف منهم!
لقد أثّرت نظرية "ما لا يتحقّق بالقوة، يتحقّق بالمزيد من القوة"، بهدف كي الوعي الفلسطيني والعربي، للوصول إلى نتيجة واضحة أنه لا مجال للمقاومة. لقد سعى رئيس أركان جيش الاحتلال الصهيوني سابقاً موشي يعالون، والذي أصبح فيما بعد وزيراً في حكومات عدّة، إلى إدخال الهزيمة إلى الوعي الفلسطيني، بأنه لا يمكن للفلسطينيين هزيمة "الجيش الذي لا يقهر"، عبر إبراز "عقدة التفوق المادي" واختلال كفة موازين القوى العسكرية لصالح الكيان، أنّه لا مفر أمام الفلسطينيين والعرب إلا أن يقبلوا بالهزيمة "طائعين"، وراضين بفتات ما تجود به دولة الكيان.
لم يتوقف طرح القادة الصهاينة لنظرياتهم التي تسعى إلى إدخال الهزيمة إلى العقل الفلسطيني والعربي، بل مارسوا العنف والإرهاب والقتل والدمار في محاولة لتكريس هذه النظريات وجعلها أمراً واقعاً لا مناص منه، ولا يمكن الفكاك عنه! فعمل رؤساء حكومات الاحتلال الصهيوني عقب التوقيع على اتفاقية أوسلو (1993)، واعتراف بعض الفلسطينيين بما يسمى حق "إسرائيل" في الوجود، على تكريس هذا "الحق"، من خلال زيادة الاستيطان وتوسيعه وتسمينه وزيادته بشكل كبير، وزيادة أعداد الحواجز في الضفة الغربية، وتقطيع أوصال الضفة، وإنشاء الجدار الفاصل، ومواصلة ارتكاب المجازر، وسياسة القتل والإعدامات، واستخدام أقصى أنواع العنف ضد غزة في أكثر من عدوان...
وليس خافيًا الجهود الأمنية الحثيثة التي بذلها كيان العدو، وبتنسيق مشترك، أو بجهد منفرد مع أجهزة السلطة لمنع تنفيذ المقاومة عمليات ضد الاحتلال انطلاقًا من الضفة، أو في الضفة، وعلى مدار سنوات طوال. ورغم ذلك، ظلت دولة الكيان توجّه الانتقادات العنيفة لأجهزة أمن السلطة، لعدم تحقيقها نتائج مئة في المئة في منع العمليات الفلسطينية.
فقد اعتبر الرئيس السابق لأركان جيش الاحتلال أفيف كوخافي (صحيفة معاريف، 12/9/2022)، أنّ جزءاً من أسباب تصاعد ما أسماه الإرهاب، هو نابع من ضعف قبضة أجهزة أمن السلطة، ما قاد إلى عدم وجود سلطة في مناطق معينة من الضفة، وشكّل أرضية خصبة لتنامي ما أسماه الإرهاب، بحسب تعبيره.
وقدّر كوخافي أن تستمر ما أسماها "التوترات في يهودا والسامرة / الضفة"، لفترة طويلة. مع وجود اعتقاد لدى المؤسسة الأمنية "الإسرائيلية"، باتساع دائرة الشباب المستعدين لحمل السلاح، والقتال ضد الجيش "الإسرائيلي"، أو المشاركة في شن هجمات بالأسلحة النارية على طرق الضفة. وهذه تزداد يومًا بعد يوم، وتثبت أنّ السنوات العجاف بعد العام 2000، فَشَل الاحتلال في "كي الوعي" الفلسطيني، عبر إدخال الهزيمة إلى وعيه... وهذا لا يعني أنه توقّف عن محاولاته من خلال سياسة "جز العشب"، وحملة "كاسر الأمواج"، و"بيت وحديقة / بأس جنين"، في محاربة المقاومة، ومحاولة منع قيام تشكيلات تنظيمية وعسكرية لها.
وبناءً عليه، لا بد من تسجيل بعض النقاط المهمة على صعيد عملية التحرر من سجن جلبوع:
- لقد أعطت عملية التحرر من سجن جلبوع دفعاً جديدًا للمقاومة؛ وقد قامت سرايا القدس بفعل ما تستطيعه لإعادة الفعل المقاوم المنظم إلى الضفة، وهذا برز من خلال تأسيس كتيبة جنين، ولاحقًا كتائب: طولكرم، نابلس، جبع...
- نقل العمليات من شمال الضفة المحتلة إلى جنوبها، وهذا ما كان يخشاه جيش الاحتلال، ويسعى إلى منعه، لكنه حصل بخلاف رغبة جيش الاحتلال.
- قدّمت جنين نموذجًا جهاديًّا في الصمود، والمواجهة، وتحقيق إنجازات ضد جيش الاحتلال. يظهر هذا في معركة "بأس جنين"، وقبلها "ثأر الأحرار"... ومن الواضح أن هذه النماذج التي تلقى حاضنة شعبية، ستبقى تتناسل، وتنمو، وتكبر.
- أثبت أبطال عملية التحرر من سجن جلبوع أنّ الاحتلال وهم من غبار، كما قال قائد عملية التحرر من سجن جلبوع، الأسير محمود العارضة، أمام المحكمة في الناصرة. وأثبت مجاهدو كتيبة جنين في سرايا القدس استحالة تحقيق العدو لهدفه "كي وعي الفلسطينيين"، بل استطاعت المقاومة إعادة هندسة "الوعي العربي من جديد"، وفق قواعد يحددها أبطال المقاومة وصانعو الانتصارات الذين يعملون على تعميق الردع المتآكل لدى الكيان، وهاجس القلق على الوجود والمصير.
- أعطت عملية التحرر من سجن جلبوع دفعًا للمقاومة، وبالتحديد لكتيبة جنين التي طورت وسائلها القتالية، وما خبره جيش العدو من عبوات سرايا القدس في جنين، ونابلس... إلا مثالاً، ويبدو أن الأمور تسير باتجاهات تُعمّق من مأزق العدو الأمني.