Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

جنيف 2: خطوة على مسار متعرج... هاني عوكل

جنيف 2: خطوة على مسار متعرج...  هاني عوكل

  سمسرة ومتاجرة كبيرة وحالة من الارتزاق تجري خارج وداخل سورية، للاستفادة من النزاع المسلح بين النظام الحاكم والمعارضة السورية، الذي بدأ قبل أكثر من ثلاثة أعوام وكرّس مقولة "مصائب قوم عند قوم فوائد"، دون أن تنتهي مأساة هذا النزاع المستمر إلى الأجل غير المعلوم.

 

هي متاجرة لأن القوى الغربية واللاعبين الكبار، قرروا خوض معركتهم على التراب السوري، واستسهل كلٌ من طرفه، تقديم الدعم لحلفائهم في الداخل السوري، لتكريس مواقف هذه القوى وتحقيق مصالحها الشخصية، إلى جانب نشاط المئات من شركات بيع السلاح وغيرها، وحيث تشكل سورية ميداناً ومختبراً للتجارب الحربية.

أهم ما كان يفضله الغرب وحقق إنجازاً فيه، هو تحييد سورية وتجنيبها موقع الدولة القوية والفاعلة في منطقة الشرق الأوسط، ونجح في ذلك لأن النزاع المستمر بين النظام والمعارضة، استنزف الأولى كثيراً وجعلها تحشد كل قواتها ومعداتها العسكرية من أجل استعادة هيبة الدولة والسيطرة الأمنية.

إذاً فلح الغرب وتحت عيون الروس والصينيين في إبعاد سورية عن موقع الدولة القوية، وجعلها تنصرف إلى معالجة الوضع الداخلي، الأمر الذي أفرح دولاً من مثل إسرائيل وتركيا، على اعتبار أن من مصلحة أي دولة، مجاورة أخرى ضعيفة وأقل تأثيراً منها.

ولعل أهم إنجاز حققه الغرب في معادلة النزاع السوري، أنه أخرج سلاح "البعبع" الذي كان يمكن لسورية التلويح به ضد أعدائها، بما يجعلها تخلق نوعاً من توازن القوى في المنطقة، وهذا كان أكبر اهتمام وقلق للولايات المتحدة الأميركية التي حرصت على ضرورة التخلص من الكيماوي السوري.

لم تكن القوى الغربية تريد لسورية أن تسقط بسهولة، لأن من فوائد استمرار النزاع تدمير مقومات هذا البلد، ولاحقاً العودة إلى مربع ما تحت الصفر والبدء من جديد في بنائه بعد التدمير الكامل، بحيث أن الاستفادة تصبح في عاملين وتتخطى نسبة 100%.

المعنى أن الغرب يستفيد حالياً من سمعة وواقع النزاع السوري، أولاً بالإطاحة العسكرية لجيش كان فيما مضى يشكل مناعة سورية وحصناً قوياً في وجه إسرائيل، ولا يقصد هنا الإطاحة العسكرية بالمعنى الحقيقي، إنما إضعاف سورية إلى مرحلة يجعلها غير قادرة على الخوض في نزاع يهدد الدول المجاورة لها.

أما الاستفادة في مرحلة النزاع نفسه، تتمثل في بيع دول غربية كثيرة أسلحة مختلفة ومتنوعة إلى دول تنظر بقلق لحالة وطبيعة النزاع السوري، سواء من جهة تعزيز قوتها الداخلية أو الخارجية في مواجهة أي تهديد محتمل.

والمرحلة التي تكون لاحقة على النزاع، ستشكل سوقاً دولياً لإعادة بناء سورية وتحقيق المنفعة الاقتصادية من وراء عمليات البناء وتشييد الشركات، وهذه الصورة كانت حاضرة في ليبيا التي تدخّل الغرب فيها لإنهاء حكم القذافي واستجلب الشركات لنهب خيرات هذا البلد وامتصاص ثرواته.

هذه المقدمة الطويلة قد تضيف شيئاً على التوصيف لما يجري اليوم في المشهد السوري، ولعلها تفسر تساؤلاً حول لماذا لم يتفق الغرب بعد على إنهاء الأزمة السورية، خصوصاً وأننا مقبلون قريباً جداً على المؤتمر الدولي جنيف 2، الذي اتفق الغرب على موعده ولم يتفقوا على الحل السياسي.

الكثيرون مستفيدون حقيقةً من النزاع السوري، طالما وأن القوى على الأرض غير قادرة على حسمه، مع أنه بدأ يختلف اليوم عن الأمس، إذا ما أضفنا حالة التشتت التي أضعفت المعارضة السورية في الداخل والخارج، وأفقدتها القدرة على التأثير السياسي.

واحدة من الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة وحلفائها متأنين من موضوع حسم النزاع سياسياً، تتصل بضعف المعارضة وتشكل أيديولوجيات متطرفة ترى فيها واشنطن امتداداً للقاعدة، الأمر الذي يجعل الأولى مرتبكة في كيفية التعامل مع المعارضة.

ومع أن اجتماعات كثيرة عقدت لتأمين جبهة رفض قوية ضد النظام السوري، إلا أن المعارضة لم تحقق تلك الإنجازات التي تمدها بالقوة والمناعة، إلى جانب أنها دخلت في نزاع مع نفسها، وهو نزاع مسلح بين تنظيم "داعش" وبين التنظيمات المعتدلة والتابعة للجيش الحر والائتلاف الوطني السوري المعارض.

وبما أن المعارضة ضعيفة إلى اللحظة، ومختلفة فيما بينها حتى في داخل الائتلاف الوطني السوري، فهذا يعني أن إطلاق المسار السياسي ممثلاً بجنيف 2، لن يكون سوى محطة لإدارة النزاع، خصوصاً وأن النظام السوري أعلن أن الهدف من الذهاب إلى المؤتمر الدولي حتماً لا يتصل بتسليم السلطة.

هذا أمر منطقي في ظل معطيات كثيرة، منها ثبات النظام السوري على الأرض، وتغذيته الدائمة بالسلاح والعتاد من روسيا وإيران وحزب الله، إلى جانب أن الولايات المتحدة وحلفاءها أوقفوا تقديم الدعم العسكري إلى المعارضة، بعدما استولت التنظيمات الإسلامية المتطرفة على مخازن سلاح الجيش الحر.

ربما جعلت هذه المعادلة من الولايات المتحدة وبريطانيا تصران على ضرورة مشاركة المعارضة المعتدلة ممثلةً بالائتلاف الوطني إلى جنيف 2، مع العلم أنه يبدو على القوى الغربية أنها أسقطت عن قناعة فكرة رحيل نظام الرئيس الأسد عن السلطة.

بنظر واشنطن أن ضعف المعارضة المعتدلة سيعني أمرين، إما بقاء نظام الأسد أو رحيله وترك الساحة للجماعات الإسلامية المتطرفة، وفي ميزان الربح والخسارة، تجد الولايات المتحدة أن الحل الأفضل يكمن في بقاء نظام الرئيس الأسد وإيجاد بدائل لاحقة لتمكين المعارضة المعتدلة.

ثم إن هناك قوى غربية بدأت تنسق مع النظام السوري في جوانب أمنية وعسكرية، وهذا يعني أن الغرب يعتقد أن بقاء الأسد واستمرار النزاع على الأرض، يشكل الطريقة الأنسب والأفضل له ولمصالحه، طالما وأن النظام السوري لا يمثل تهديداً في كل الأحوال للدول الغربية.

الخلاصة من كل ذلك، أن الظروف لم تنضج بعد للحديث الفعلي عن حل سياسي ينهي أزمة سورية، ولعل إطلاق مسار جنيف 2 كان الهدف منه جس نبض المعارضة المعتدلة ومعرفة حجمها ومدى اتفاقها وتشكيلها حاضنة مؤثرة وفاعلة.

نعم، الظروف غير مهيأة بعد للحديث عن جنيف 2، ينهي المسار السياسي على خير، الأمر الذي يعني أننا أمام محطة في مسار سياسي طويل معقد، وعلى الأغلب أن النزاع سيبقى متواصلاً طالما وأن الغرب لم يتفق بعد على إنهائه، وطالما أن المعارضة تخاصم النظام ولا تعتبره شريكاً في مستقبل سورية.

ويبقى القول إن الخاسر الوحيد من وراء كل هذا هو سورية وشعبها، ذلك أن العودة إلى سورية ما قبل النزاع يحتاج إلى سنوات طويلة جداً، لكن الله أعلم متى تندمل الجراح نتيجة هذا الدمار الذي خلفته آلة الحرب الداخلية والتطاحن على حساب هذا البلد العربي ووحدته وسلامة أراضيه ومستقبله في خريطة المنطقة.