Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

نظرة الإسرائيليين الأحادية إلى الصراع مع الفلسطينيين

وكالات

حماد صبح

عند أي احتكاك أمني بين غزة وإسرائيل ، مثل إطلاق صاروخ أو بالون ؛ تتدافع الأصوات والأقلام في الإعلام الإسرائيلي ، وأحيانا من قادة أمنيين وعسكريين في الاحتياط ، إلى التعبير عن الندم على الانسحاب من غزة في 12 سبتمبر 2005 ، والشكوى من أن الأهداف التي قصدت من الانسحاب لم تتحقق ، وتحقق خلافها ، وهو تحول غزة إلى مصدر قلق وإزعاج وتوتر لإسرائيل ، ولمستوطني غلافها تخصيصا ، وأن الأسلحة تكدست فيها تصنيعا محليا وتهريبا عبر حدودها مع مصر . واستجابة للندم يقترح بعضهم إعادة احتلالها . والندم والاستجابة يرسخان قناعة واحدة هي أن هؤلاء الإسرائيليين ، مثل دولتهم ، ينظرون لصراعهم مع الفلسطينيين بعين واحدة هي العين الإسرائيلية التي تتجاهل كل الحقائق لدى الفلسطينيين .

وهذه النظرة الأحادية ، فوق ما تمثله من إنكار للواقع ، تجسد امتدادا للفكرة الوهمية الباطلة التي روج لها قادة المشروع الصهيوني في بدايته عن خلو فلسطين من السكان . منذ بداية المشروع الصهيوني إلى اليوم يتصرف الإسرائيليون بصفتهم اللاعب الوحيد في فلسطين ، ويغمضون عيونهم ويغلقون عقولهم عن حقيقة وجود أكثر من سبعة ملايين فلسطيني بين النهر والبحر يزيدون عليهم عددا . والإغماض والإغلاق في خلفية قانون القومية العنصري الذي أقره الكنيست واعترف فيه بحق اليهود في فلسطين بتقرير المصير دون الفلسطينيين أهل البلاد الأصليين . وحين نعاين نظرتهم إلى الانسحاب الإسرائيلي من غزة نجدهم يقدمونه بصفته منة منهم تكرموا بها عليها ، وليس اضطرارا تحت قوة نار المقاومة ودماء الشهداء بعد أن لبثوا فيها 38 عاما بنوا خلالها 21 مستوطنة ، وقلبوا حياة أهلها إلى جحيم عاصف لإراحة وطمانة مستوطنيهم وتأمين جيشهم ، فلما استحالت الإراحة والطمأنة والتأمين ، وتعاظم ثمن الاحتلال مالا ودماء منهم ؛ انسحبوا مضطرين مغلوبين ، ولم يكن انسحابهم ” خطوة حمقاء ” مثلما وصفه كاتب أحمق منهم هو أريئيل كهانا في مقال في ” إسرائيل اليوم ” . ويتوسع  الكاتب في المن والوهم فيذكر أن مستشاري شارون الذي قاد خطة الانسحاب أوهموه أن غزة بعد الانسحاب ستصبح هونج كونج الشرق الأوسط  كأن شارون ومستشاريه أرادوا لغزة هذه الصيرورة المستثرية المزدهرة . وماذا فعلت إسرائيل عقب الانسحاب ؟! ظلت مسيطرة على غزة برا وبحرا وجوا  . انسحبت من البيت وجلست أمام الباب . لم يعقب انسحابها أي واقع سيادي في غزة . كأن انسحابها الاضطراري كان استراحة محتل من أعباء وتكلفات احتلاله المباشر .

ويطالب بعض الإعلاميين الإسرائيليين بإعادة احتلال غزة ، ولا يدركون استحالة هذا الاحتلال الذي أخفقت إسرائيل في إدامته حين كانت الأحوال أكثر ملاءمة لها منها في هذه الأيام بعد أن صارت المقاومة أشد بأسا وأوفر تسليحا وخبرة . واحتلال غزة وإن كان ممكنا عسكريا بثمن كبير في  أرواج الجنود الإسرائيليين لا مستقبل له بعد ذلك . وتعلم القيادة السياسية  والعسكرية والأمنية هذه الحقيقة الموضوعية ، ويؤكد هذا العلم أنها لا تتحدث أبدا عن احتلال دائم لغزة ، وتتحدث بدله عن ضربة شديدة في هجمة سريعة . وسيظل الإسرائيليون يهيمون حائرين في حلقة مفرغة لا في شأن غزة وحدها وإنما في شأن كل القضية الفلسطينية ما لم يروا الحقائق في فلسطين بالعين الفلسطينية أيضا ، ومن خلال ما يسميه بعضهم الرواية الفلسطينية .

وشارون لم ينسحب من غزة إلا بعد دراسة متعمقة لكل جوانب القضية مكرها لا مختارا بتأثير خبرته الطويلة في التعامل مع حقائقها ، وكان ينوي فعل شيء في الضفة قريب مما فعل في غزة . وفي الارتياب حول موته السريري المباغت أن نيته تلك كانت علة ذلك الموت ، بمعنى أن جهة إسرائيلية سرية متنفذة فعلته . والذين اغتالوا رابين رئيس الوزراء لسياسته في القضية الفلسطينية ، على سوئها للفلسطينيين ، لا غرابة في أن يميتوا شارون سريريا بسبب سياسة قريبة من سياسة رابين . والاثنان أنهكهما طول الصراع الذي انغمرا عسكريا في زخمه منذ شبابهما الباكر ، فسعيا إلى حل ما يأتي بشيء من الراحة . وما أقيم على خطأ يظل خطأ ، وهذه مشكلة الإسرائيليين في فلسطين وفي المنطقة . أقاموا دولتهم على أسس خاطئة تماما ، فتتابعت أخطاؤهم استئنافا لخطئهم الأول .

ولن يستقيم حالهم إلا إذا أقروا بهذا الخطأ المؤسس ، وعالجوا تبعاته معترفين بحق الفلسطينيين في وطنهم التاريخي سيادة وتقرير مصير . وهذه مهمة لا يستطيعونها ، ويتلو هذه الخلاصة  في سياق منطقي أن صراعنا معهم متصل حتى استئصالهم مستقبلا . ومن حقائق التاريخ أن الأصيل يبقى والعابر يزول .