الحرب على المدينة وعلى كل أشكال الوجود العربي الفلسطيني فيها والنشاطات والفعاليات والمؤسسات والرموز والشخصيات الوطنية والمجتمعية في مدينة القدس تتصاعد بشكل هستيري وجنوني وغير مسبوق وترافق ذلك مع اعتداءات على المقدسيين وممتلكاتهم وأراضيهم وحتى حرمات بيوتهم من قبل عصابات ما يسمى بتدفيع الثمن الإرهابية،التي تقوم بتنفيذ اعتداءاتها تحت سمع وبصر شرطة الإحتلال،والتي تتصرف وكان الأمور عادية اذا ما تعلق الأمر بالإعتداء على العرب وممتلكاتهم،وربما تقول هذا جيد ويسهم في بث الرعب والخوف في قلوب المقدسيين،ولكن لو تم رشق اسرائيلية بحجر ،فتتجند كل اجهزة الإحتلال وأذرعه الأمنية من اجل كشف الذي قام بهذا العمل.
ما حدث من اعتداء ممنهج ومنظم امس الأول من قبل أكثر من مجموعة من زعران المستوطنين بتمزيق إطارات سيارات ما يقارب مائتي سيارة من سيارات اهالي بلدة شعفاط وخط شعارات عنصرية ،تم تنفيذه اكثر من مرة وفي اكثر من مكان في مدينة القدس ،وتحقيقات الشرطة لم تقود الى معرفة الفاعلين،وانا لا أثق بذلك بالمطلق،بل هناك من يوفر الحماية لهؤلاء البلطجية والزعران في قمة الهرمين السياسي والأمني.
ولعل الجميع يتذكر ما تتعرض له بلدة العيسوية منذ حزيران الماضي من عدوان مستمر وعقوبات جماعية،كشف قائد لواء شرطة الإحتلال السابق لمدينة القدس "ميكي ليفي"،ان الهدف منها هو خلق رأي عام اسرائيلي،من اجل إخراج البلدة من ضمن حدود ما يسمى بلدية القدس وتجريد سكانها من الهوية الإسرائيلية المؤقتة " الزرقاء"،وما ينطبق عليها ينطبق على سبعة وعشرين بلدة مقدسية اخرى واقعة في القسم الشرقي من المدينة،أي تطهير عرقي وترسيخ لما يسمى جعل مدينة القدس عاصمة لدولة الإحتلال،عبر تغيير المشهد الكلي فيها وتغيير طابعها الديمغرافي لصالح المستوطنين.
الإحتلال من بعد قرار المتصهين ترامب بجعل القدس عاصمة لدولة الإحتلال،وردود الفعل العربية والفلسطينية على ذلك،والتي لم تتعد بيانات الشجب والإستنكار والإستجداء على بوابات المؤسسات الدولية المسيطر عليها من قبل امريكا وقوى الغرب الإستعماري،هذه الردود الباهتة وغير المرتقية الى مستوى القرار الأمريكي،فتحت شهية امريكيا واسرائيل على التقدم خطوات كبيرة على صعيد تهويد المدينة وقبر حل ما يسمى بالدولتين،حيث كان قرار وزير خارجية امريكيا "بومبيو" الوقح والمتناقض مع قرارات الشرعية الدولية،بإعتبار الإستيطان في الضفة الغربية شرعي،وكذلك سعي نتنياهو من اجل الفوز بالإنتخابات الإسرائيلية المبكرة للمرة الثالثة الى ضم الأغوار وتعزيز الإستيطان في قلب مدينة الخليل،والوصول الى تهدئة طويلة مع سلطة حماس في غزة.
لم يستفق المقدسيين من قرارات المستوطن "جلعاد أردان" وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي بإغلاق مكتب التربية والتعليم الفلسطيني في مدينة القدس،تمهيداً لشطب وتصفية المدارس التي تدرس المنهاج الفلسطيني في المدينة وتحديداً المستظلة بمظلة الأوقاف الإسلامية والخاضعة لإشرافها الإداري،وكذلك كمقدمة للسيطرة على المؤسسات التي تشرف عليها وتديرها الأردن من دائرة الأوقاف الإسلامية والمحكمة الشرعية وغيرها وصولاً الى إلغاء وصايتها على المقدسات الإسلامية،واغلاق تلفزيون فلسطين الرسمي ومنعه من البث من المدينة،واعتقال طاقم العاملين فيه،والإفراج عنهم بشروط قاسية،من اجل منع أي رواية غير الرواية الصهيونية،وطمس الحقائق التي توثق انتهاكاته وقمعه وتنكيله بالمقدسيين،بالإضافة الى مداهمة وتفتيش المركز العربي الصحي،ومصادرة العديد من وثائقه واجهزته،والتحقيق مع مديره الإداري.
محافظ القدس الأخ عدنان غيث الذي جرى اعتقاله اكثر من ثلاثة عشر مرة وفرض عليه العديد من العقوبات، إقامة جبرية وحبس منزلي والمنع من دخول الضفة،وكذلك المنع من عقد لقاءات واجتماعات والمشاركة في أنشطة وفعاليات،سمح له أردان وزير الأمن الداخلي لدولة الإحتلال،بعد منع لمدة سنه من دخول للضفة الغربية،بالدخول للضفة الغربية،ولكن هذه الخطوة قابلها قرارات،تحمل في طياتها محاربة ومنع أي شكل من أشكال السيادة والعمل للسلطة ورموزها في مدينة القدس، حيث اصدر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي،جلعاد أردان، مساء أول أمس الاثنين، قرارًا بحظر محافظ القدس عدنان غيث من ممارسة مهام منصبه، والعمل في حدود القدس.
ونقل موقع صحيفة "معاريف" العبرية عن أردان قوله "اليوم أصدرت قرارًا هو الأول من نوعه؛ والذي يمنع محافظ القدس - عدنان غيث من القيام بأي نشاط بأمر أو تمويل من السلطة الفلسطينية".
وأضاف الوزير الإسرائيلي "كذلك أنا بصدد تشريع قانون يقضي بالسجن 5 سنوات لكل من يعمل من المقدسيين لصالح السلطة الفلسطينية في مدينة القدس".وما ينطبق على محافظ القدس اعتقد بان سيشمل باقي رموز السلطة من وزير للقدس وغيرهم من شخصيات مقدسية.
والحرب على المقدسيين لا تشارك فيها دولة الإحتلال واجهزتها وأذرعها المختلفة والإدارة الأمريكية كشريك،بل الإتحاد الأوروبي الوجه الأخر للإدارة الأمريكية،والذي يبيعنا معسول الكلام عن حل الدولتين ورفض تشريع الإستيطان والإعتراف بالقدس كعاصمة لدولتين،ولكن في إطار الفعل،يريد من شعبنا ومؤسساتنا،ان تجرم نضال ومقاومة شعبها وتصفها ب" الإرهاب" كحقوق كفلها لها القانون الدولي،فكل مؤسسة مقدسية او فلسطينية تريد ان تحصل على دعم من الإتحاد الأوروبي،فالسياسات الجديدة للاتحاد الأوروبي في ملحق اتفاقيات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي تطلب من المؤسسات الأهلية الفلسطينية بالتوقيع على عقد مشروط بإدانة الحقوق الفلسطينية والحركات الوطنية الفلسطينية والحق بمقاومة الاحتلال واعتبارها إرهابا وكذلك الطلب من المؤسسات الفلسطينية بالتحقق من المستفيدين من خدماتها على خلفية سياسية يعتبر تنكر كامل للحقوق الفلسطينية وحقوق الإنسان والعدالة الإنسانية التي كانت تنادي بها دول الاتحاد الأوروبي،ولذلك على السلطة الفلسطينية ان تلغي ترخيص أي مؤسسة فلسطينية استجابت لهذا الطلب،والعمل على فضحها وتعريتها،فحقوق الشعوب ومقاومتها التي عمدت بعشرات ألآلآف الشهداء ومئات ألآلاف الأسرى لا يجوز مقايضتها ب" اليورهات" لمجموعات من المنتفعين والمرتزقة .
نعم الحرب على القدس والمقدسيين تتصاعد بشكل هستيري،في ظل حالة فلسطينية ضعيفة ومنقسمة ومتشظية،ونظام رسمي عربي متعفن ومنهار،همه شرعنة وعلنية التطبيع مع دولة الإحتلال وحماية عروشه المتهالكة،فلا فلسطين ولا القدس بوصلته.
وفي ظل ما تتعرض له القدس من حرب شاملة تطال الإنسان المقدسي في كل مناحي وتفاصيل حياته الإقتصادية والإجتماعية،فلا بد من بناء استراتيجيات فلسطينية تتشارك فيها كل المؤسسات الرسمية والمرجعيات المشكلة باسم القدس،وكذلك الأطر واللجان والمؤسسات المجتمعية والشعبية،من اجل المجابهة والتصدي لمشروع تهويد المدينة وأسرلتها،وهذا يتطلب تقوية اللجان والعمل الشعبي،وتوفير دعم جدي وحقيقي للمدينة،بما يمكن اهلها من الصمود والدفاع عن وجودهم ومدينهم ومقدساتهم ومؤسساتهم،وتشكيل وفود مقدسية تطرق أبواب العالمين العربي والإسلامي من اجل الحصول على دعم مالي وسياسي عربي للمدينة التي يتهددها خطر التهويد والأسرلة،وعلى القيادة من المنظمة والفصائل والأحزاب والسلطتين،ان يمتلكوا الإرادة في مجابهة مخططات ومشاريع تصفية الوجود الفلسطيني في المدينة،بعيداً عن الشعارات و"الهوبرات" الإعلامية و"العنتريات" الفارغة" فالقدس تحتاج الى دعم وعمل وسواعد مخلصة وليس مرتجفة.