راسم عبيدات لست متفائلاً بأن هذه الصرخة، وهذا النداء سيصل إلى من صمّت آذانهم وأغلقت عيونهم من العرب والمسلمين، عما تتعرض له القدس، من عمليات ذبح للبشر والحجر والشجر،
ولا أجافي الحقيقة بأن العرب والمسلمين جزء من المؤامرة والتواطؤ على القدس وأقصاها ومقدساتها.
فالقدس بعد القمم الثلاثة في الرياض والتي اصطف فيها زعماء العرب والمسلمين خلف الرئيس الأمريكي ترامب، ودفعوا له مئات المليارات من الدولارات سموها ما شئتهم خاوة أو جزية، لم تفلح تلك المليارات في جعله يتفهم موقفهم، أو جعل وجهه "المكلح" يعرق، أو يستجيب حتى لتوسلاتهم بالضغط على "إسرائيل"، بأن تقبل مبادرتهم العربية للسلام، فقط بتجميد الإستيطان وليس بتحقيق "حل الدولتين" مقابل شرعنة وعلنية التطبيع العربي والإسلامي معها، واعتبارها دولة "شقيقة".
فترامب بعد زيارته للأراضي الفلسطينية المحتلة ولدولة الإحتلال، عبّر عن إنحيازه لدولة الإحتلال بشكل مطلق، ولم يأتي على ذكر الإستيطان أو إنهاء الإحتلال أو "حل الدولتين"، بل وإمعاناً في إذلال العرب والمسلمين، قال بشكل واضح بأن هناك ارتباط تاريخي عميق بين القدس ودولة الإحتلال، وقام بزيارة حائط البراق، كتأكيد على حق "إسرائيل" فيه، وهو جزء أصيل من المسجد الأقصى.
هذه التصريحات وهذا الضوء الأخضر الأمريكي، والإنهيار العربي -الإسلامي، شجّع نتنياهو وحكومته لإعلان حربٍ شاملة على مدينة القدس بدأت بإعلان نتنياهو بالقول بان المسجد الأقصى وحائط البراق ستبقى بيد "إسرائيل" في أي تسوية قادمة، ومن ثم جاء عقد اجتماع حكومة الإحتلال الأسبوعي على مقربة من المسجد الأقصى، ليس تحدياً سافراً وفظاً فقط للقوانين وقرارات الشرعية الدولية، بل لكي يبعث برسائل إلى العرب والمسلمين، في الوقت الذي تعززون فيه علاقاتكم معنا، نحن نقول لكم لن نتخلى عن ثوابتنا واستراتيجياتنا، فالقدس والأقصى لنا.. وكذلك أيضاً في هذا الإجتماع أقرت الحكومة الصهيونية خطة تهويدية ضخمة للقدس والبلدة القديمة بـ50 مليون شيكل، تحت مسمى خطط تطويرية، هذه الخطة تشمل حفر أنفاق أسفل المدينة وحائط البراق وإقامة مصاعد كهربائية وتلفريك معلق بغرض جذب السياح واليهود إلى منطقة حائط البراق، وبما يهدد بتدمير الكثير من الآثار العربية والإسلامية، نتيجة تلك الحفريات، وتهويد المكان والفضاء العربي، وإقصاء المشهد العروبي للمدينة، وطمس معالمها الحضارية والتاريخية والروحية والدينية العربية - الإسلامية.. وعلى نفس الجبهة كان وزير الداخلية الصهيوني درعي يجدد قانون منع لم الشمل للعائلات المقدسية المعمول به منذ عام 2003 تحت حجج وذرائع أمنية، في سياسة تطهير عرقي مستهدفة سكان المدينة العرب بالتقليص وتغيير الواقع الديمغرافي فيها لمصلحة المستوطنين.. ولم يكتفي الإحتلال بمثل هذه القوانين والمخططات التهويدية، بل كان المتطرف بينت وزير التعليم الصهيوني وما يسمى بوزير شؤون القدس "زئيف الكين" يضعان خططاً خماسية من أجل السيطرة على العملية التعليمية في القدس بالكامل، وبما يضمن الشطب والإلغاء الكلي للمنهاج الفلسطيني في القدس، عبر مقايضة المنهاج بالميزانيات، بحيث تتلقى المدارس التي تعلم المنهاج الإسرائيلي ميزانيات إضافية، مثل تمويل ساعات دراسية إضافية وتوسيع مناهج التعليم في المدارس وتحسين البنية التحتية في المؤسسات التعليمية.
هذه الخطة المستهدفة توسيع تعليم المنهاج الإسرائيلي في المدارس الفلسطينية، تستهدف ليس فقط "كي" و"تقزيم" الوعي الفلسطيني، بل صهره وتطويعه، فهي تشتمل على بدء تطبيق المنهاج التعليمي الإسرائيلي في 100 صف من الصفوف الأولى مع زيادة إعداد الطلبة الحاصلين على شهادة "البجروت" الإسرائيلية المعادلة لشهادة الدراسة الثانوية العامة الفلسطينية، ورفع نسبة الطلبة المقدسيين الحاصلين على هذه الشهادة من (12%) إلى (26%)، وكذلك الحديث عن تخفيض نسبة التسرب في المدارس الثانوية من (28%) إلى (25.5 %)، ليس دقيقاً بالمطلق، فنسبة التسرب في المدارس الثانوية الحكومية في القدس وتحديداً في التوجيهي تصل إلى (50%)، ووزير التربية والتعليم المتطرف بينت، يدرك تماماً بأن وزارته، هي المسؤولة عن مثل هذا التسرب، حيث النقص في الغرف الصفية في مدارس القدس الحكومية، وبإحصائيات الإسرائيلية يصل إلى (2447) غرفة صفية، تزداد كل عام.
ما يجري في هذا الجانب، جانب جبهة الوعي والثقافة، هو عدوان سافر على الهوية والذاكرة والوعي والثقافة والكينونة والإنتماء والوجود الوطني الفلسطيني، فالقدس مدينة محتلة، ومن حق سكانها استخدام لغتهم القومية وثقافتهم الخاصة في العملية التعليمية، ولكن هذا الوزير المتطرف المغرق في الفكر التلمودي التوراتي، صاحب نظرية وشعار القدس تهود بالأفعال لا بالأقوال، يعتبر بأن أسرلة الوعي الفلسطيني، هي أهم من تهويد أرضها، ولذلك وضع نصب عينيه شطب وإلغاء المنهاج الفلسطيني بالكامل في مدينة القدس.
لم تعد المسألة تطبيق منهاج فلسطيني مشوه أو محرف، وشطب كلمة وعبارة أو فقرة هنا وهناك من الكتب التعليمية الفلسطينية التي تؤكد على الهوية الوطنية والكينونة الفلسطينية.. أو المتعلقة بالشهداء والأسرى وحق العودة وعروبة وفلسطينية القدس، أو إستبدال امتحان الثانوية العامة الفلسطيني بـ"البجروت" الإسرائيلي، بل واضح أن العملية تأتي كمقدمة لإلغاء المنهاج الفلسطيني في القدس بشكل كامل، وعلى نحو أكثر خطورة من ما جرى بعد الاحتلال الإسرائيلي بعد عام 1967، حيث سيطر الاحتلال على المدارس الحكومية فقط وطبق المنهاج الإسرائيلي عليها، واضطر تحت صمود وتوحد الحالة المقدسية بكل مكوناتها للتراجع عن ذلك.
الحرب على المدينة المقدسة وأهلها شاملة ومستمرة ومتواصلة، بكل الأشكال وتطال المقدسيين في أدق الهموم وتفاصيل الحياة اليومية لهم، فالمحتل يرى في المدينة عاصمة لدولته، وأبعد من ذلك عاصمة لكل يهود العالم، ونحن كفلسطينيين منشغلين في جدل سفسطائي بيزنطي عن جنس الملائكة، هل هي ذكر أم انثى..؟ وعربان ومسلمي ترامب يقولون لنا، إذهبوا أنتم وربكم وقاتلوا، ففلوسنا وأموالنا، هي من أجل رفاهية أمريكا، والتي رفاهيتها من رفاهية "إسرائيل"، ونحن لا نملك لإرادتنا ولا السيطرة على أموالنا، ولا نستطيع أن نرسل لكم مليماً واحداً بدون إذن أمريكا وموافقتها.. لكم الله.. لكم الله.