لجميع يقولون: إن القدس والمقدسات ليست قضية الفلسطينيين وحدهم. ويبدو لي أن الذين يقولون ذلك يريدون التغطية على تقصيرهم.
«المسجد الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف، بمساحته البالغة (144) دونماً، فوق الأرض وتحتها، وبأسواره والطرق المؤدية إليه، هو مسجد إسلامي للمسلمين وحدهم، لا يقبل القسمة ولا الشراكة» (من بيان لدائرة الأوقاف الفلسطينية - 2019/10/12).
في مقابلة مع صحيفة «ماكور ريشيون» العبرية، جاءت تصريحات وزير الأمن الداخلي «الإسرائيلي»، جلعاد إردان، لتكشف جدية النوايا إزاء المسجد الأقصى التي طالما أظهرتها الممارسات الاحتلالية منذ اليوم الأول الذي وقعت فيه المدينة المقدسة في قبضة الاحتلال في يونيو/حزيران 1967. وقد استثارت تصريحات إردان ردوداً فلسطينية وأردنية في انتظار المواقف التي يفترض أن تترجم تلك الردود، وإلا يصبح السؤال: كم بقي من الزمن على تنفيذ النوايا الإسرائيلية؟!
في مقابلته المذكورة، قال إردان يعد المستوطنين: إن سلطات الاحتلال قد تتيح قريباً لليهود «حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية» في المسجد الأقصى، وذلك في ظل المعطيات التي تشير إلى ارتفاع عدد المستوطنين الذين يقتحمون الحرم القدسي منذ العام 2015. وأضاف: إن «الأمور تتجه في القدس نحو استعادة السيادة والسيطرة على المكان، وسنصل إلى هدفنا عندما يبدي المزيد من اليهود رغبتهم في زيارة جبل الهيكل (الحرم القدسي)، وهكذا سينشأ طلب ملح وضاغط حول هذا الأمر، وأتمنى أن يحصل ذلك قريباً»!
إردان وهو يوجه كلامه للمستوطنين، إنما يحثهم على مواصلة اقتحام المسجد الأقصى ومزيد من الاقتحامات لممارسة «ضغط» على الحكومة لتنفذ عملية الاستيلاء والسيطرة على المسجد، وكأنما الحكومة ضد ذلك! إنها الألاعيب التي دأبت عليها الحكومات «الإسرائيلية» منذ خروجها إلى الوجود.
وهكذا لم تعد المسألة أمراً تقدم عليه وتمارسه «مجموعات متطرفة» لا تلتزم بالسياسة الحكومية، كما كانوا يزعمون في البداية، بل سياسة رسمية تتبناها وتحميها الحكومات، لتبدو سياسة ممنهجة ومدروسة، الغاية منها الوصول إلى هدف واضح هو «تقاسم» المسجد مكاناً وزماناً، كما كان الأمر مع الحرم الإبراهيمي في الخليل، ثم لاحقاً الاستيلاء عليه وربما هدمه لإقامة «الهيكل الثالث» المزعوم! هم لا يخفون، ولم يخفوا يوماً، أهدافهم الحقيقية البعيدة، وإن التفوا عليها أحياناً تحت ضغط الظروف! وفي البيان الصحفي لدائرة الأوقاف الفلسطينية، المشار إليه أعلاه، تعقيباً على تصريحات إردان، جاء ما يدل على أن الأمر واضح ومفهوم للجهات الفلسطينية الرسمية، إذ جاء في البيان: إن «الحملة الإسرائيلية القديمة الجديدة من تزوير للحقائق وفرض للأمر الواقع» ما يثبت أن «هذه الاقتحامات تستهدف استقلالية المسجد الأقصى، خاصة في ظل ممارسات أصبحت تتجاوز الانتهاكات اليومية الاستفزازية إلى انتهاكات ممنهجة ومدروسة بغية السيطرة على المسجد وتهويده»!
وبناء عليه، يصبح لا مفر من سؤال: ما العمل؟ وماذا يتوجب على الفلسطينيين فعله لإحباط هذه الخطط «الإسرائيلية» والمحافظة على المسجد الأقصى؟! من العبث الاعتماد على السلطة الفلسطينية التي لا تملك من أمر نفسها شيئاً، والشيء نفسه يمكن أن يقال عن الأنظمة العربية، فبعضها مهرول للتطبيع مع الصهاينة! والمسؤولية، شئنا أم أبينا، تقع على عاتق الفصائل الفلسطينية «المقاتلة» التي ترفض الممارسات «الإسرائيلية»، فهل تقوم هذه الفصائل بدورها المطلوب وبالشكل المطلوب؟!
على سبيل المثال، وصفت «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين» تصريحات إردان بأنها «دعوة مكشوفة لعصابات المستوطنين لفرض سيطرة الاحتلال على المسجد الأقصى، وفرض تهويده وتحويله إلى معبد يهودي». بعد هذا «التشخيص» الصحيح، قفزت «الديمقراطية» إلى أن «ما يشجع حكومة الاحتلال على التغول» هو «الموقف الرخو للأنظمة العربية والمسلمة، الذي ما زال حتى الآن دون الحد الأدنى»! وماذا عن مواقف «الديمقراطية» وبقية الفصائل الفلسطينية، هل وصلت إلى الحد الأدنى؟
الجميع يقولون إن القدس والمقدسات ليست قضية الفلسطينيين وحدهم. ويبدو لي أن الذين يقولون ذلك يريدون التغطية على تقصيرهم. ولكن إذا وافقنا معهم، يظل «الموقف الرخو» للفلسطينيين، سلطة وفصائل، هو ما يشجع على رخاوة المواقف الأخرى، عربية ومسلمة! وتبقى القدس والمقدسات و فلسطين قضايا فلسطينية أولاً، يُسأل عن مصيرها الفلسطينيون قبل الآخرين!!