د. فايز رشيد
صادق الكنيست «الإسرائيلي» بالقراءة الأولى على مشروع قانون «القومية» الذي يعتبر «إسرائيل» دولة «قومية» ل «الشعب اليهودي». وذكر المكتب الإعلامي للكنيست أن المشروع مرّ بموافقة 64 عضواً ويتطلب تبنيه قراءتين ثانية وثالثة، وهذا من السهولة بمكان في ظلّ الائتلاف الحكومي الحالي في دويلة«إسرائيل» وفي ظل تنامي المزيد من التطرف في شارعها وفي أوساط مستوطنيها القديمين والجدد.
جاء في بيان الكنيست أن مشروع القانون يكرس مكانة «إسرائيل» وطناً «قومياً» للشعب اليهودي، وأن حقه في تقرير المصير في «وطنه» هو حق حصري للشعب اليهودي، وأن القدس عاصمة «إسرائيل» والعبرية لغتها الرسمية. بمعنى آخر لم تعد اللغة العربية لغة رسمية في هذه الدويلة التي تنضح بكل الظواهر المقيتة والعدوانية العنصرية. يتبنى مشروع القانون «التقويم العبري تقويماً رسمياً للدولة»، ويعلن أيام «الاستقلال»والأعياد اليهودية وأيام الذكرى أيام عطل رسمية في«إسرائيل».
ووفقاً لموقع «تايمز أوف إسرائيل»، فإن القوانين التي يناقشها الكنيست كإعفاء اليهود الأرثوذوكس من التجنيد والتعريف ب«إسرائيل» كدولة الوطن القومي للشعب اليهودي، تحد من صلاحيات المحكمة العليا ويمكن أن تؤدي إلى إسقاط الحكومة. كما أن مشروع القانون يقرّ وجود قرى لليهود فقط، ويمنع الفلسطينيين العرب وغير اليهود من السكن فيها ! ألا يذكّر ذلك بنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا ومواطني البانتوستانات السود التي هي أشبه بمحميات الهنود الحمر في الولايات المتحدة؟ هذا بالطبع إضافة إلى التمييز العنصري البشع في التعليم والصحة والخدمات المختلفة بين العرب واليهود. لا يمكن للديموقراطية أن تتواءم مع شعار «الدولة اليهودية» الذي ترفعه «إسرائيل» وهي تسمي دويلتها «دولة يهودية ديموقراطية».
إن مصادقة الكنيست بالقراءة التمهيدية على هذا القانون كما عشرات القوانين الشبيهة له من حيث الجوهر، يحمل الكثير من المؤشرات على التغييرات التي تجري في «إسرائيل» على قدمِ وساق نحو النهج الأكثر تطرفاً كون هذه القوانين (بما فيها مشروع القانون الجديد) تحظى بشبه إجماع يهودي على بنوده العنصرية التي تستهدف الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، ولكن في المقابل يحمل في طياته ما هو موضع خلاف عقائدي جوهري بين بعض التيارات الدينية اليهودية، فلم يجرِ حتى اللحظة في «إسرائيل» الاتفاق على تعريف محدد لسؤال «من هو اليهودي»؟ القانون يستهدف أيضاً الفلسطينيين في منطقة 48 بشكل أساسي كونه يضع الأساس القانوني لطردهم فرادى وجماعات من وطنهم. يحدد القانون في بنده الأول بأن فلسطين وحسب تسميتهم «إسرائيل» هي مكان تقرير المصير«للشعب اليهودي» وحده، ما يعني أولاً ألا حق للشعب الفلسطيني في وطنه. وهذا يسّد الباب على أية إمكانية لإقامة الدولة الفلسطينية العتيدة، وبالتأكيد فإنه يغلقه تماماً أمام عودة اللاجئين وفقاً لقرار الأمم المتحدة رقم (194) ما يجعل فلسطينيي 48 مجرد رعايا في وطنهم، وألا حقوق قومية لهم.
وإلى جانب هذا، فإن القانون الذي يأخذ صفة ال«قانون الدستوري» أو بمعنى آخر «قانون أساس» يتضمن بنوداً من المفترض أنها تثير خلافات يهودية- يهودية. ظهر القانون لأول مرة قبل ست سنوات، وأثار حينها ردود فعل مناقضة له من قبل الفئة الدينية «الحريديم»، رغم أنها تشارك في الحكم لأن معتنقيها يؤمنون بأن «مملكة إسرائيل» سيقيمها المسيح حينما يأتي لأول مرّة إلى العالم. ما يعني أن تحديد تعريف «إسرائيل» بهذا الشكل ليهود العالم يسحب البساط من تحت عقيدتهم. وعلى الرغم من دعم «الحريديم» للقانون تصويتاً في الكنيست! فإن طوائف من ذات التيار لا تتمثل في الكنيست هاجمت القانون باعتباره قانوناً يهودياً قومياً، لا يمت للدين اليهودي بصلة. القانون يمنح مكانة كاملة وحاسمة للشريعة اليهودية كمرجعية أولى للقوانين، بينما العلمانيون اليهود يتخوفون من مجرد أي ذكر للشريعة وتثبيت القوانين الدينية القائمة التي تتعلق بالحياة العامة، وجعلها قوانين دستورية من الصعب (بل من المستحيل) نقضها. نسوق هذه الخلافات لإعطاء الموضوع حقه وليس للمراهنة عليها بالمعنى الاستراتيجي. لقد أعلنت الحكومة «الإسرائيلية» أنها ستعرض بعد شهرين قانوناً موازياً لذات القانون. وقد حظي القانون بتأييد كل كتل الائتلاف، مقابل معارضة كل كتل المعارضة. ولكن لا يمكن أن نعوّل على معارضة كتلة «المعسكر الصهيوني» (حزب العمل) و«يوجد مستقبل» لأن هذا اعتراض قائم بغالبيته على حسابات حزبية ولربما تحفظات على بعض البنود، غير تلك المتعلقة بالبنود العنصرية تجاه شعبنا.