يونس السيد
نجحت مسيرات العودة، التي انطلقت بالتزامن مع ذكرى «يوم الأرض» في 30 مارس/آذار الماضي في إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وأثبت الفلسطينيون تصميمهم على رفض كل الصفقات بما في ذلك «صفقة القرن» والخطط التي تحاك لتصفية مشروعهم الوطني، وحقهم في العودة إلى أراضيهم، التي هجروا منها عام 1948، وتثبيت الاحتلال «الإسرائيلي» لبلادهم.
مرت أربع «جمع»، منذ ذلك التاريخ، كان آخرها «جمعة الشهداء والأسرى»، ومع أن المسيرات كانت سلمية مئة في المئة، إلا أن قوات الاحتلال أبت إلا أن تواجه الشعب الأعزل بالحديد والنار، فسقط نحو 35 شهيداً وأكثر من أربعة آلاف جريح؛ لكن المسيرة لم تتراجع؛ بل ازدادت عزماً وتصميماً على المواجهة والتحدي، وقررت، خلافاً لما دعت إليه واشنطن البقاء على بعد 500 متر من الحدود، وتقريب خيام المعتصمين أكثر فأكثر من السياج الفاصل على حدود قطاع غزة.
ومع أنه لا يزال يؤخذ على هذه المسيرات ضعف الحراك الشعبي في الضفة الغربية وبلدان الشتات، إلا أن المخاوف «الإسرائيلية» تزداد يوماً بعد يوم مع اقتراب «مسيرة العودة الكبرى» في 15 مايو/أيار؛ (ذكرى النكبة)، وتصل إلى حد الرعب من انفجار الغضب الفلسطيني على نحو تصعب السيطرة عليه، ويجتاح الحدود ويتوغل داخل فلسطين المحتلة عام 48، على الرغم من كل آلة القمع «الإسرائيلية» وتعزيزات قوات الاحتلال ونشر مئات القناصة واستخدام الطائرات الُمسيّرة، خصوصاً وأن ذلك اليوم يترافق مع الاحتفال بنقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى القدس، الأمر الذي سيضاعف من استفزاز الفلسطينيين وإشعال نيران الغضب لديهم.
الفلسطينيون الذين يدركون أنهم سيدفعون ثمناً باهظاً لهذا الحراك، لم يعد لديهم ما يخشونه، وهم لطالما دفعوه مقدماً، ولم يبق لديهم في ظل هذا الواقع الإقليمي والدولي، سوى خيارات محدودة، إما العودة إلى فلسطين أو الاستشهاد في سبيلها.
ولعل هذا بالذات ما دفع سلطات الاحتلال إلى اقتراح صفقة مقايضة تتضمن وقف مسيرات العودة على حدود قطاع غزة، مقابل رفع الحصار عن القطاع، والبدء بمفاوضات تبادل للأسرى؛ إلا أن الفلسطينيين الذين ذكّروا الاحتلال بأسراه في غزه خلال الجمعة الثالثة من هذه المسيرة، بينما حملت الجمعة الرابعة عنوان «الشهداء والأسرى»، يدركون أن هذه القضية جزء من كل، وأنه على الرغم من توقهم لرفع الحصار وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، إلا أن الهدف الأساسي والمركزي للمسيرة الكبرى هو حق العودة؛ أي العودة إلى فلسطين، مع إبقاء باب المفاوضات مفتوحاً بشأن رفع الحصار وتبادل الأسرى.