للأسف الشديد منذ سبعة أعوم وكل عام أكتب نفس المقال مع اختلاف الارقام للأسوأ على أمل أن يتغير واقع العمال المرير في قطاع غزة، لكن هذا العام و مع أجواء المصالحة والتوقيع على اتفاق إنهاء الانقسام أعطي بريق أمل للعمال بتحسين أوضاعهم في المستقبل القريب،
وبالتزامن مع تلك الأجواء يصادف يوم 1 أيار عيد العمال العالمي فيحتفل العمال بجميع أنحاء العالم بهذا العيد وذلك للفت الأنظار إلى دور العمال ومعاناتهم والعمل على تأمين متطلبات عيش كريم لهم نظير جهودهم المبذولة في العمل، بينما يستقبل عمال قطاع غزة هذه المناسبة العالمية بمزيد من الفقر وارتفاع البطالة وغلاء المعيشة ومعاناة متفاقمة، فهم لا يجدون شيئاً ليحتفلوا به، فحالهم وما يمرون به على مدار 14 عاماً لا يسرّ عدو ولا حبيب، فبدءًا بانتفاضة الأقصى عام 2000 مروراً بالانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وتشريد آلاف العمال مما كانوا يعملون في منطقة "ايرز" الصناعية، وصولاً إلى الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ سبع سنوات ختاماً بالحروب والهجمات العسكرية المتكررة على قطاع غزة وما تبعها من تدمير للعديد من المنشآت الاقتصادية، كلها ساهمت في ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتدهور الأوضاع الاقتصادية وبالتالي تدهور أوضاع العمال.
حيث أدت الأوضاع الاقتصادية المتردية في قطاع غزة إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر في الأراضي الفلسطينية بشكل عام وفي قطاع غزة بشكل خاص وبشكل كبير جداً منذ بداية انتفاضة الأقصى عام 2000، حيث فرضت قوات الاحتلال الإسرائيلي الحصار الاقتصادي على قطاع غزة وبدأت تنتهج سياسة إغلاق المعابر التجارية ومعابر الأفراد بشكل مستمر ومنعت العمال الفلسطينيين والبالغ عددهم في ذلك الوقت ما يزيد عن 40 ألف عامل من التوجه إلى أعمالهم داخل الخط الأخضر، وبدأ يتقلص عدد العمال داخل الخط الأخضر تدريجياً إلى أن وصل في يومنا هذا إلى الصفر، وفقد قطاع غزة دخل يومي هام جداً من أجور العمال اليومية والتي كانت تعتبر من أهم مصادر الدخل القومي الفلسطيني على مدار سنوات عديدة.
وبعد الانسحاب الإسرائيلي من محافظات غزة في عام 2005 انضم أكثر من 8000 عامل جديد إلى قوافل البطالة ممن كانوا يعملون في المستوطنات ومنطقة "ايرز" الصناعية حيث بلغ عدد العاملين في المستوطنات 3500 عامل في المجالات المختلفة (بناء وزراعة) وبلغ عدد العاملين في المنطقة الصناعية "ايرز" نحو 4500 عامل فلسطيني يعملون في 191 مصنعاً وورشة ومطعم.
وسعت إسرائيل منذ زمن للاستغناء عن العمال من قطاع غزة واستجلاب العمالة الأجنبية، حيث صرّح شاؤول موفاز وزير الدفاع الإسرائيلي بتاريخ 12-4-2005، أي قبل الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة: في العام 2008 لن يدخل فلسطينيون من قطاع غزة إلى إسرائيل للعمل فيها وسيضطرون إلى إيجاد أماكن عمل لأنفسهم داخل مناطق السلطة الفلسطينية".. وجاءت تلك التصريحات أثناء قيامة بجولة تفقدية للقوات الإسرائيلية قبل الانسحاب من قطاع غزة.
وتفاقمت أزمة البطالة والفقر نتيجة استمرار الحصار المفروض على قطاع غزة منذ سبع سنوات وارتفعت معدلات البطالة والفقر بشكل جنوني نتيجة لتوقف الحياة الاقتصادية بالكامل، وتجاوزت معدلات البطالة في بعض الفترات 55% ومعدل الفقر 80% في قطاع غزة وأصبح معظم السكان بما يزيد عن 80% يعتمدون على المساعدات الإنسانية المقدمة من "الأونروا" وبرنامج الغذاء العالمي والجمعيات الخيرية والاغاثية العربية والإسلامية.
وتشير الإحصاءات الصادرة عن مركز الإحصاء الفلسطيني حسب نتائج مسح القوى العاملة لدورة الربع الرابع لعام 2013 أن ما يقارب من 159600 عامل فلسطيني عاطلين عن العمل نتيجة إغلاق المعابر والحصار المفروض على قطاع غزة والذي أدى إلى توقف الحياة الاقتصادية بشكل كامل وحرمان هؤلاء العمال من أعمالهم.
ووفقاً للتعريف الموسع للبطالة ووفقاً لمعايير منظمة العمل الدولية فقد بلغت نسبة الأفراد الذين لا يعملون (سواءً كانوا يبحثون عن عمل أو لا يبحثون عن عمل) 38.5% في قطاع غزة حسب نتائج مسح القوى العاملة لدورة الربع الرابع لعام 2013، كما ارتفعت نسب البطالة بين الخريجين ممن يحملون شهادة الدبلوم والبكالوريوس لتصل إلى 43.9% في كافة التخصصات.
وبمقارنة نتائج الربع الثاني من عام 2013 أي قبل إغلاق الأنفاق مع جمهورية مصر العربية حيث بلغ معد البطالة 27.9% وبلغ عدد العاطلين عن العمل في حينه 108 آلاف شخص، مع الربع الرابع لعام 2013، نجد ارتفاع النسبة خلال الستة أشهر الأخيرة من عام 2013 بمعدل 10.6% وانضمام ما يزيد عن 51 ألف شخص إلى مستنقعات البطالة والفقر.
ونتيجة لتأثرها المباشر بإغلاق الأنفاق سجلت محافظة رفح النتيجة الأعلى في معدلات البطالة في فلسطين، حيث بلغت النسبة في الربع الرابع 48.1% بارتفاع 16% عن الربع الثاني حيث بلغ معدل البطالة لمحافظة رفح في حينه 32%.
ومع استمرار الوضع على ما هو علية في قطاع غزة خلال الربع الاول من عام 2014 فمن المتوقع أن ترتفع معدلات البطالة لتتجاوز 43%.
وأظهرت النتائج انخفاض مشاركة القوى العاملة في معظم الأنشطة الاقتصادية، وكان النصيب الأكبر في الانخفاض لقطاع الإنشاءات حيث انخفضت النسبة من 8.7% في الربع الثاني من عام 2013 إلى 5.2% في الربع الرابع من عام 2013 ومن المتوقع أن تنخفض لتصل النسبة إلى 3.5% في الربع الأول من عام 2014، وذلك نتيجة لاستمرار الجانب الاسرائيلي في منعة دخول مواد البناء لقطاع غزة عن طريق معبر كرم أبو سالم.
ويعتبر قطاع الخدمات المشغل الأساسي للعاملين في قطاع غزة، حيث بلغت نسبة العاملين في هذا القطاع 54.9% من حجم القوى العاملة خلال الربع الرابع من عام 2013، يليه قطاع التجارة والفنادق والمطاعم بنسبة 20.4%.
إن حكومة الوحدة الوطنية القادمة أمام تحد كبير يتمثل في خفض معدلات البطالة المرتفعة في فلسطين وخصوصاً في قطاع غزة وذلك من خلال وضع خطط إستراتيجية أو رؤية مستقبلية حقيقة لإيجاد حلول جذرية للحد من ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتفشيها في فلسطين.
* مدير العلاقات العامـة في الغرفة التجارية الفلسطينية- غزة