مازال الاقتصاد في قطاع غزة يعاني من سياسة الحصار التي تفرضها إسرائيل على القطاع للعام السابع على التوالي، هذا بالإضافة إلى الحروب و الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة
والتي عمقت من الأزمة الاقتصادية نتيجة للدمار الهائل التي تخلفه للبنية التحتية و كافة القطاعات والأنشطة الاقتصادية.
وبالرغم من ذلك ففي بداية عام 2013 ساد التفائل بأن ينتعش إقتصاد قطاع غزة من جديد وذلك بالتزامن مع بدء تنفيذ المشاريع القطرية في قطاع غزة وإستمرار دخول المواد اللازمة للمشاريع القطرية عن طريق جمهورية مصر العربية من خلال معبر رفح البري، مما أعطى بريق أمل جديد لإعادة فتح معبر رفح التجاري بعد إغلاقه تجاريا مع بدء انتفاضة الأقصى عام 2000، وإعتبر العديد من المحللين بأن دخول مواد البناء عبر معبر رفح البري خطوة هامة على طريق كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، لكن للاسف الشديد مع مجريات الاحداث على مدار العام والمتغيرات التى شهدها جعلتة يعتبر من أسوء الاعوام إقتصاديا، وفي حال إستمرار الحال على ما هو علية سوف يكون عام 2014 عام الانهيار الاقتصادي.
معبر كرم أبو سالم – الواردات و الصادرات
منذ بدء عام 2013 عمد الجانب الإسرائيلي إلى تكرار إغلاق معبر كرم أبو سالم و لفترات متفاوتة ضاربا بعرض الحائط ما تم التوصل إلية في اتفاق التهدئة الذي تم توقيعه بمدينة القاهرة بتاريخ 21/11/2012 من رفع الحصار عن قطاع غزة و فتح المعابر التجارية وحرية دخول وخروج البضائع، حيث بلغ عدد أيام إغلاق معبر كرم أبو سالم 150 يوم خلال عام 2013 وهو ما يمثل 41% من عدد أيام العام، ويعمل معبر كرم أبو سالم 22 يوم شهرياً، حيث يغلق الجانب الإسرائيلي المعبر يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع كعطلة رسمية، بالإضافة إلى إغلاقه في الأعياد والمناسبات الإسرائيلية والإغلاقات المتكررة بحجج أمنية واهية.
وبالرغم من إغلاق الانفاق في منتصف العام إلا أن عام 2013 لم يشهد أي زيادة أو تحسن في عدد الشاحنات الورادة عبر معبر كرم ابوسالم بل شهد إنخفاض وذلك نتيجة لتوقف الانشطة الاقتصادية وزيادة معدلات البطالة والفقر وضعف القدرة الشرائية للمواطنين، بالإضافة إلى إستمرار منع الجانب الاسرائيل دخول العديد من السلع إلى قطاع غزة، وبلغ عدد الشاحنات الواردة 55833 شاحنة إلى قطاع غزة في عام 2013، مقارنة مع 57441 شاحنة واردة في عام 2012 من مختلف الأصناف المسموح دخولها إلى قطاع غزة.
كما إستمرت إسرائيل بسياستها التى إتبعتها منذ فرض الحصار، بمنع تصدير المنتجات الصناعية و الزراعية من قطاع غزة إلى العالم الخارجي، كذلك منعت تسويقها في أسواق الضفة الغربية، وما تم تصديره من قطاع غزة خلال عام 2013 لا يمثل إلا القليل من المنتجات الزراعية التي تصدر للأسواق الاوربية مثل (الفراولة والفلفل الرومي والبندورة) حيث بلغ عدد الشاحنات المصدرة من قطاع غزة 187 شاحنة، مقارنة مع 234 شاحنة تم تصديرها في عام 2012.
إغلاق الانفاق وخسائر الانشطة الاقتصادية المباشرة
تلقى قطاع غزة ضربة قاسمة نتيحة إغلاق الانفاق دون فتح المعابر التجارية مما تسبب بخسائر مباشرة لكافة الانشطة الاقتصادية في قطاع غزة بمايزيد عن500 مليون دولار خلال النصف الثاني من عام 2013، وذلك بفعل توقف بعض الانشطة الاقتصادية بشكل كامل وإنخفاض الإنتاجية في الانشطة الاقتصادية الاخري، حيث تراجعت مساهمة الانشطة الاقتصادية في الناتج المحلى الاجمالي بنسبة 60% خلال تلك الفترة، هذا بالإضافة إلى ما تكبدة التجار ورجال الأعمال والصناعيين من خسائر نتيجة توقف أعمالهم.
ويأتي ذلك نتيجة لتراكمات الحصار الاسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ سبع سنوات، وإغلاق الانفاق مع جمهورية مصرية العربية والتي كانت تمثل شريان الواردات من البضائع التي يمنع الاحتلال دخولها إلى قطاع غزة عبر المعبر الرسمي مثل (مواد البناء – العديد من المواد الخام الأولية اللازمة للقطاع الصناعي– الوقود).
ويعتبر قطاع الانشاءات من أهم القطاعات التي تضررت وتقفت بشكل كامل بفعل إغلاق الانفاق، حيث كان يعتمد هذا القطاع بالدرجة الاولى على مواد البناء الواردة عبر الانفاق في ظل منع الاحتلال من دخولها عبر المعبر الرسمي منذ فرض الحصار، ويعتبر قطاع الإنشاءات من اكبر القطاعات المشغلة للعمالة ويساهم بنسبة 27% في الناتج المحلى الاجمالي أي ما يعادل 135 مليون دولار خلال الربع الثاني من عام 2013.
أزمة الكهرباء الطاحنة
شهد عام 2013 إستمرار انقطاع التيار الكهربائي الدائم والمستمر وبشكل يومي منذ أكثر من سبع سنوات نتيجة لعدم كفاية كميات السولار الواردة إلى القطاع واللازمة لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة وعدم السماح بدخول قطع الغيار اللازمة لصيانة المحطة، مما زاد من معاناة المواطنين في قطاع غزة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، حيث تقطع الكهرباء يوميا من 8 ساعات إلى 12 ساعة اعتماداً على حجم الأحمال والضغط على شبكة الكهرباء.
وتعرض قطاع غزة لأزمة كهرباء طاحنة بعد توقف محطة الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة يوم الجمعة 1/11/2013، وانقطاع السولار والبنزين المصري الوارد عبر الأنفاق، وأدى ذلك إلى تفاقم الأزمة بشكل كبير حيث أصبحت الكهرباء تقطع بمعدل يصل إلى 18 ساعة يومياً أي بمعدل 6 ساعات وصل للتيار الكهربائي فقط، ونتيجة للظروف الاقتصادية السيئة في قطاع غزة بفعل الحصار الإسرائيلي عزف المواطنين في قطاع غزة عن استخدام السولار والبنزين الإسرائيلي نتيجة لارتفاع سعره عن المصري بما يزيد عن الضعف، مما أدى إلي تشغيل المولدات الخاصة بالأبراج والعمارات السكنية والمصانع والمحال التجارية في الحالات الضرورية فقط وتخفيض ساعات التشغيل الخاصة بتلك المولدات نتيجة للتكاليف العالية للتشغيل، وساهم توقف محطة التوليد وإنقطاع التيار الكهربائي لفترة تجاوزت 45 يوم بضعف العمليات الانتاجية في كافة القطاعات والانشطة الاقتصادية.
الازمة المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية
ألقت الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة الوطنية الفلسطينية منذ عدة سنوات بظلالها على الأوضاع الاقتصادية و المعيشية في قطاع غزة، حيث شهد عام 2013 تصاعداً غير مسبوق في الأزمة المالية وانعكست الأزمة المالية على تأخر صرف رواتب الموظفين الحكوميين مما تسبب بحالة من الركود التجاري والاقتصادي نتيجة لضعف القدرة الشرائية وتراكم الالتزامات و الديون على الموظفين.
وبلغ الاحتياج الخارجي من الدعم 1.6 مليار دولار في عام 2013 بزيادة 500 مليون دولار عن ما كان متوقع، وأدي التراجع في الدعم الخارجي وعدم التزام العديد من الدول المانحة بوعودها المالية إلى أزمة مالية كبيرة، وبلغ حجم العجز في موازنة السلطة مع نهاية عام 2013 مايقدر 550 مليون دولار، هذا بالإضافة إلى أن الدين العام للسلطة لصالح البنوك المحلية والقطاع الخاص الفلسطيني والدين الخارجي طويل الاجل قد زاد من 2.3 مليار دولار في نهاية عام 2010 إلى 4.3 مليار دولار في منتصف العام 2013، وهو ما يمثل 38% من إجمالى الناتج المحلى، واستمراراً للازمة المالية إقترضت وزارة المالية في نهاية عام 2013 مبلغ 70 مليون دولار من البنك العربي وذلك للمساهمة في تخفيض إلتزامات القطاع الخاص بهدف إنعاش الانشطة الاقتصادية المتباطئة.
معدلات البطالة
البطالة قنبلة موقوتة تهدد الإستقرار في فلسطين وتفاقم الاوضاع الاقتصادية في قطاع غزة حيث إرتفعت معدلات البطالة في فلسطين إلى 23.7% وبلغ عدد العاطلين عن العمل 275 ألف شخص في فلسطين خلال الربع الثالث لعام 2013، منهم حوالي 145 ألف في الضفة الغربية وحوالي 130 الآف في قطاع غزة، وما يزال التفاوت كبيراً في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة حيث بلغ المعدل 32.5% في قطاع غزة مقابل 19.1% في الضفة الغربية، وسجلت الفئة العمرية 20-24 سنة أعلى معدلات للبطالة حيث بلغت 43.1% في الربع الثالث لعام 2013، وبالرغم من الانفتاح الموجود بالضفة الغربية إلا أن إنخفاض معدل البطالة عن قطاع غزة ناتج عن إستيعاب العمال الفلسطينين من الضفة الغربية في سوق العمل الاسرائيلي حيث بلغ عددهم 103 الاف عامل خلال الربع الثالث لعام 2013.
ومع نهاية عام 2013 وبفعل إستمرار الاوضاع الاقتصادية المتدهورة تجاوزت معدلات البطالة في قطاع غزة 39% وإرتفع عدد العاطلين عن العمل إلى مايزيد عن 140 الف شخص.
المنخض الجوي خسائر بأكتر من 70 مليون دولار
ومع نهاية عام 2013 أتى المنخفض الجوى الاخير ليعمق جراح قطاع غزة المحاصر ويكشف ضعف البنية التحتية والامكانيات المتاحة للتعامل مع تلك الكوارث، حيث خلف المنخفض كارثة إنسانية كبيرة نتيجة تشريد الاف العائلات من منازلهم بعدما غمرتها المياة، وألحق بالعديد من القطاعات خسائر فادحة تجاوزت 70 مليون دولار، كان النصيب الاكبر منها للقطاع الزراعي.
خبير ومحلل اقتصادي