يخوض الأسرى الإداريون إضراباً عن الطعام، ويستغرب الناس خارج بلادنا هذه التسمية التي ربما لا يعرفون معناها، ويشعرون بنوع من خجل الجهل للسؤال عنها، من أنها قوانين غير إنسانية سنّها الاستعمار البريطاني على بلادنا عندما عيّن نفسه وصياً أو مندوباً عليها تحت اسم قوانين الطوارئ،
وتقضي أنه يحق للحاكم العسكري فرض أحكام بالسجن إلى ما يشاء الله بحق أي مواطن بدون أن يضطر إلى ذكر الأسباب، وبدلاً من أن تقوم الحكومة الأردنية التي أعقبت الحكم البريطاني من إلغاء هذه المواد، أبقت عليها ولجأت في أحيان كثيرة إليها والعمل ضمنها، وعندما قامت إسرائيل باحتلال بلادنا عام 1967، أنعشتها واستخدمتها بشكل مكثف، ولم يقتصر استخدامها على الاعتقالات الإدارية، بل طالت كل شيء تقريباً لا تستطيع القيام به وفق القوانين المرعية، بما في ذلك مصادرة الأراضي وعمليات الإبعاد وهدم المنازل. وقد وصل الأمر بأن يطول الاعتقال الإداري قبيل اندلاع الانتفاضة الأولى عدة مئات، ووصلت مدة اعتقال الشخص الواحد سبع سنوات متتالية كما حصل مع المناضل علي الجمال ونادر العفوري.
وبعد توقيع اتفاقية أوسلو، اعتقدنا أننا تخلصنا من قوانين الطوارئ البريطانية البائدة، فقد تقادم الزمن بحيث أصبح من العار أن يتم التعاطي بمثل هكذا قوانين في أي مكان تحت شمس هذا الكوكب، وبعد أكثر من عشرين عاماً على توقيع تلك الاتفاقية، نكتشف أن إسرائيل ما زالت تلجأ إلى مثل هذا الإجراء بحق الشعب الفلسطيني، ونتبين أن هذا الاكتشاف غير العبقري، إنما يشمل أعداداً كبيرة لا تقل كثيراً عما كان عليه الحال في عز الاحتلال وعز مقاومته، وأن هناك مئتا أسير إداري وراء القضبان الإسرائيلية لا يعرفون وذووهم وحتى محاموهم وكل منظمات حقوق الإنسان ما هي تهمتهم وجريرتهم.
لقد اتضح من خلال المتابعات أنه بالكاد تكتفي إسرائيل بحكم إداري واحد يمتد لستة أشهر، بل يتم تمديد هذا الاعتقال مرة ومرتين وثلاث، وأن هناك من أمضى عدة سنوات قبل أن يشق طريقه إلى منزله وعائلته في مدينته المحررة الخاضعة لسلطته الوطنية.
إن هذا الكم الكبير من الأسرى الإداريين، والذين انفجر صبرهم غضباً بإعلانهم إضراباً مفتوحاً عن الطعام، جديرون بعناية ورعاية أكثر، لا تقل عن "رعاية وعناية" إسرائيل السلبية بهم، تضعهم إسرائيل في عين حقدها وغضبها وانتقامها، فتعتقلهم وتحكم عليهم دون أن تسألهم، أو عندما تعجز عن انتزاع اعترافاتهم، ثم تمدد هذا الاعتقال تحت مسميات: ملفات سرية.
إن مئتا أسير إداري، هي بمثابة حالة نضالية متقدمة، فما بالكم وهم قد طووا أسبوعهم الأول في إضرابهم الموحد عن الطعام؟
لا أعرف إن كان المجلس المركزي قد تطّرق لهم حتى ولو بسطر في بيانه الختامي..!!