Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

إلى متى تبقى أعياد شعبنا وأمتنا مؤجلة..؟

إلى متى تبقى أعياد شعبنا وأمتنا مؤجلة..؟

  راسم عبيدات هي تقول لنفسها وبصوت مرتفع كيف لي أن أحتفل بالعيد وأنا أودع ابني شهيداً..؟ كيف أحتفل بالعيد وابنى الآخر مضى على وجوده في سجون الإحتلال ربع قرنٍ لم أعرف معها أي طعم أو معناً للعيد..؟

وتتزاحم في رأسها الأسئلة والأفكار، وتحاكي نفسها من جديد ابنتي وزوجها وأطفالها شردوا من مخيم اليرموك في الشام على يد العصابات التكفيرية وهدم بيتهم، وخرجوا في رحلة تيه جديدة، في نكبة جديدة تضاف إلى نكبات شعبنا الأخرى.. وها هي ابنتي الثانية يهدم بيتها في الولجة المحاصرة من كل الجهات، ويصرّ زوجها على إعادة إعمار البيت، وهو يقول لن نرحل في رحلة تيه جديدة، فيكفي تشريدنا من قريتنا الأصلية التي هدموها وستبقى شاهد على جريمتهم بيوتها المهدمة.. ففي نكبة الثمانية وأربعين طردونا وهجرونا من قريتنا، هم يهدمون ونحن نبني ولن نستسلم ولن أغادر بيتي في المرة القادمة لو هدموه فوق رأسي ورأس زوجتي وأطفالي مئة مرة.. فنحن أصحاب الأرض وهم العابرون.

هي تقف الآن حائرة فجسدها وأفكارها موزعة على كل مساحة فلسطين التاريخية، حيث مشاريع التهويد والأسرلة تطال كل بقعة فيها، تسمع من أقاربها وأبناء شعبها عن حرب شرسة وعملية تطهير عرقي، هدفها واضح نفي وجود أصحاب الأرض الشرعيين واقتلاع جذورهم بالكامل، فهناك مجازر حجر ترتكب في قلنسوة والولجة والأغوار ومختلف مناطق القدس وبالأخص منها سلوان ومسافر يطا وسوسيه.. وغيرها، وهناك إقتلاع بالكامل كما يحدث في النقب، حيث قرى العراقيب تهدم للمرة السابعة عشر بعد المائة وقرية أم الحيران التي هدمت، وكل قرى شعبنا هناك المسماة بالقرى غير المعترف بها، والتي وجودها سابق لوجود الاحتلال يتهددها خطر الإقتلاع والترحيل.

تصمت قليلاً تشعر بحشرجة في صوتها وتمسح دموع متساقطة على وجنتيها اللتان حفر فيهما الزمن والألم والحسرة أخاديد عقيمة.. وتقول كيف سيعيش من يريدون الإستيلاء على منازلهم في منطقة الشيخ جراح..؟ عائلة شماسنه أيوب وفهيمه عجوزين طاعنين في السن سيجري طردهما وترحيلهما من بيتهما، هم والإبن والأحفاد، وإقتلاع جذورهم ووجودهم وذكرياتهم واحلامهم، كذلك سينفذ هذا المخطط التهويدي بحق كل سكان كبانية أم هارون ببيوتها الخمسة والأربعين وكامل منطقة الشيخ جراح.

تتصارع الأفكار في رأسها وتخرج كلماتها غاضبة عالية الصوت في سيل من الشتائم على القادة العرب والأمة العربية والإسلامية، وحتى أبناء جلدتها لم يسلموا من تلك الشتائم، فهي تقول يقسمون شعبنا خدمة لمصالحهم  وأجنداتهم ومشاريعهم وصراعهم على السلطة، ويحقدون على بعضهم أكثر من حقدهم على الاحتلال، وتقول حسبي الله ونعم الوكيل، كيف سيمر العيد على أمهات الشهداء المحتجزة جثامينهم في ثلاجات الاحتلال..؟ وعلى زوجاتهم وأبنائهم، تستذكر أم الشهيد محمد أبو سرور من مخيم عايدة في بيت لحم، وكذلك أمهات وعائلات الشهداء مصباح أبو صبيح وفادي القنبر من البلدة القديم بالقدس وجبل المكبر والقائمة تطول وتطول.

أي عيد هذا وأبناء شعبنا في مخيمات لجوئهم، يريدون إقتلاعهم حتى من صفائح الحديد التي تأويهم في ظروف وأوضاع تفتقر إلى الحد الأدنى من شروط الحياة الإنسانية..! فاليرموك أكبر مخيمات شعبنا في الشام اختطفته الجماعات الإرهابية والتكفيرية، قتلت وشردت معظم أهله، وهدمت الكثير من بيوته، وكذلك تحاول تلك الجماعات الإرهابية والمجرمة، أن تختطف أكبر مخيمات شعبنا في لبنان، مخيم عين الحلوة، ولنفس الإستهداف والهدف، دفع شعبنا لهجرة جديدة من أجل أن لا تبقى تلك المخيمات شاهد على جرائم الاحتلال وتواطؤ المجتمع الدولي، وعجزه عن إعادة شعبنا إلى وطنهم وأراضيهم التي شردوا منها بفعل العصابات الصهيونية التي طردتهم وهجرتهم قسراً، ولكي لا يستمر ساكنيها متمسكين بحق العودة، وهدف مهم آخر القضاء على رمزيتها، كمعاقل للنضال والكفاح والصمود، فهي من حضنت مقاومة شعبنا، ورمز نضالاته وتضحياته.

بين بكاء وضحك تكمل حديثها مع نفسها وبصوت مرتفع، فيه وصف دقيق لمرحلة رديئة وقذرة، مرحلة تقول هي، كيف تصبح "إسرائيل" صديقة للكثير من الدول العربية، يلهثون للتطبيع العلني معها، وأبعد من ذلك التحالف والتعاون والتنسيق، وبأنها ليست العدو لشعبنا وأمتنا العربية والإسلامية، بل إيران ومحور المقاومة..؟ أيعقل هذا..؟ من تحتل أرض شعب وأمة، وتطرد وتهجّر أكثر من نصفه صديقة، ومن يقفون إلى جانب ثورتنا ومقاومتنا وأمتنا أعداء لنا ولأمتنا..؟ كيف تستقيم هذه المعادلات..؟

ولكنها تقول كل شيء في هذا الزمن الحراشي جائز، إذا كنا نحن ونحن واقعين تحت الاحتلال، الجاثم على صدورنا المانع لحريتنا والمتحكم في حياتنا من ألفها ليائها، وصلنا إلى مرحلة أن نعاقب بعضنا البعض، ولذلك ليس غريباً على هذه الدول العربية والإسلامية التي إصطفت خلف "إمامة" ترامب في قمم الرياض الثلاثة في أيار الماضي، ودفعت له صاغرة الجزية مئات المليارات من الدولارات.

تمسك مسبحتها وتسبح وتشكر ربها وتقول، الحمدالله بفضل حكامنا المرتزقة والمأجورين، لم يعد شعبنا وحده اللاجىء، بل كل شعوبنا العربية أصبحت لاجئة، في سوريا والعراق وليبيا واليمن، ويا حسرتي على اليمن، يذبح كل يوم أطفاله بطائرات لما يسمى بتحالف عربي، لم تعرفها طريقها يوماً إلى فلسطين، ليس لهم ذنب سوى أنهم يريدون حكومة تعبّر عن إرادتهم كيمنيين، وتقيم لهم نوعاً من العدالة الاجتماعية.

وتقول والقول لها هنا، أكثر ما يغيظني أن تجار الدين ومؤسسات الإفتاء، والذين ليل نهار كانوا يذرفون دموع التماسيح على حلب والموصل، لم يحركوا ساكناً تجاه ذبح وحرق أطفال اليمن..؟

تحاور نفسها وتقول بصوت عالٍ إلى متى ستبقى أعيادنا مؤجلة فلسطينياً وعربياً..؟ وهل هذا الواقع الرديء والقيادات المتكلسة والمتنمطة والمنهارة قدر شعبنا وأمتنا..؟ هل يعقل أن شعباً وأمة قدموا الملايين على مذبح الحرية والإستقلال من الإستعمار، أصابها العقم وأصبحت عاقرة..؟

تتراءى لها قبة الصخرة من بعيد وتختم بالقول، ما دام المقدسيون بوحدتهم وإرادتهم بكل مكوناتهم ومركباتهم الوطنية السياسية، الدينية، المجتمعية والشعبية الجماهيرية وبسجاجيد صلواتهم، قد حققوا نصراً مستحقاً على أعتى آلة حربية في المنطقة، فهؤلاء ليسوا بقدرنا المؤبد، وسينهض شعبنا وأمتنا من جديد، والتاريخ لم يعرف شعوباً خانت مصالحها وأهدافها، وإن فعلت ذلك حفنة من قياداته المرتزقة والمنتفعة.