كثرة التصريحات التي تصدر عن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، بشأن فشل المفاوضات في إحداث اختراق، لا تعني بالضرورة أن الجهد الأميركي المنسق مع الاتحاد الأوروبي، قد وصل إلى طريق مسدود، أو أن مصيره بالضرورة، سيصل إلى طريق مسدود.
ثمة عزم أميركي أوروبي، على متابعة الفرصة التي أتيحت للمفاوضات، بهدف تحريك عملية السلام، المتوقفة منذ زمن طويل، بدون الخوض في خلفيات وأسباب هذا العزم، وأيضاً بدون تجاهل أن الولايات المتحدة، لا يمكن أن تكون وسيطاً نزيهاً ومحايداً، بعكس ما قاله وزير الخارجية جون كيري عند مغادرته الأراضي المحتلة في جولته العاشرة، الذي أكد أن الدور الأميركي سيكون عادلاً ومتوازناً، بدون الخوض في كل ذلك، فإنه ينبغي على الفلسطينيين من كل الأجناس والاتجاهات ان ينظروا بجدية بالغة، لمجريات الدور الاميركي.
الكل من الطرفين متشائم، والفلسطيني أكثر تشاؤماً، والكل ينفي وجود مبادرات أميركية مكتوبة أو مكتملة، لكن ذلك، لا يدعو إلى تجاهل التفاؤل الذي عبر عنه مرتين الوزير كيري، بما في ذلك بعد جولته التاسعة.
وعبر عنه لمرة واحدة الرئيس الأميركي باراك أوباما بعد جولة كيري التاسعة، حين تحدث عن تقدم في المفاوضات.
وبغض النظر عما اذا كانت هناك قنوات تفاوض سرية، موازية للمفاوضات الرسمية العلنية، التي يديرها الدكتور صائب عريقات، أسوة بما جرى خلال مؤتمر مدريد، ومفاوضات أوسلو الموازية، فإن المفاوضات الحقيقية تدور على مستوى القمة، الدكتور عريقات الذي يتمسك باستقالته، منتظراً قرار الرئيس محمود عباس، هو الأكثر تشاؤماً، إذ صرح بأنه لم يعد أخلاقياً يحتمل استمرار المفاوضات، في ظل استمرار الجرائم الإسرائيلية، هذه المفاوضات، التي كان آخر جلساتها الرسمية في الخامس من تشرين الثاني الماضي. هذا يعني أن ثمة قناة أخرى تفاوضية، مرجعيتها المباشرة، كيري وليس مارتن انديك، والرئيس محمود عباس، وليس عريقات، وبنيامين نتنياهو وليس تسيبي ليفني.
المفاوضات ليست فلسطينية إسرائيلية مباشرة، ما يجعل القناة الرسمية، مجرد غطاء، لمفاوضات يديرها الوزير كيري، مع كل من عباس ونتنياهو ولا تقوم على خطة أميركية جاهزة، أو أفكار نهائية أو شبه نهائية. من الواضح أن كيري بدأ جهوده بالاستماع، ثم أخذ يقدم أفكاراً، لفحص مدى إمكانية تعديلها في ضوء ردود الطرفين، بهدف جسر الهوة. من الواضح أن الولايات المتحدة، تبدي استعداداً عالياً، لتقديم ضمانات أمنية وغير أمنية، لتعويض ما يراه الطرفان خصوصاً الإسرائيلي، بسبب وفي حال رفض الآخر للمتطلبات الحيوية.
وفق التصريحات العلنية، المعززة بممارسات عملية من قبل الطرف الإسرائيلي خصوصاً يبدو أن تحقيق اتفاق سلام، أمر أقرب إلى المستحيل، الطرف الإسرائيلي يتمسك بقوة، بشرط الاعتراف بيهودية الدولة، ويرفض الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة عام 1967، ويتمسك بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ويرفض رفضاً قاطعاً الموافقة على حق عودة اللاجئين، أو التخلي عن أطماعه الأمنية في منطقة الغور، والحدود مع الأردن.
أما الطرف الفلسطيني فهو بحسب الرسالة، التي أرسلها الرئيس عباس للرئيس الأميركي باراك أوباما في الثامن من كانون الأول الماضي، بعد لقائه كيري، فإنه حدد ما لا يقبل به.
بحسب الدكتور عريقات، خلال مقابلة مع صحيفة الحياة اللندنية، تضمنت رسالة الرئيس عباس، أربع لاءات، الأولى: لا نستطيع قبول إسرائيل كدولة يهودية، والثانية، لا نستطيع قبول أي دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، بدون القدس، والثالثة: لا نستطيع قبول أي إسرائيلي على الأراضي الفلسطينية براً وبحراً وجواً ومعبراً. أما الرابعة والأخيرة، فإن الفلسطينيين لا يستطيعون قبل أي حل من دون ممارسة اللاجئين الفلسطينيين حقهم في الخيار حسب القرار 194، حق العودة والتعويض والافراج عن المعتقلين حال التوقيع على الاتفاق.
إذا كان الفلسطينيون يقفون على حدود الشرعية الدولية، ولا يتجاوزون سقفها في مطالباتهم، فان المشكلة هي في أن المطالب الإسرائيلية تتجاوز كثيراً، حدود الشرعية، بل انها لا تعترف بما تنص عليه قرارات الشرعية الدولية، وتسعى في الأساس، لإعادة صياغة دورها الاحتلالي.
المشكلة إذاً ليست عند إسرائيل، المعروفة، بسياساتها الاحتلالية وأطماعها، ومواقفها من الشرعية الدولية، وإنما المشكلة عند الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذين عليهما أن ينتصرا للشرعية الدولية، وإلاّ كانا إلى جانب الطرف الذي يستهتر بالشرعية الدولية.
إن إسرائيل لا تستطيع أن تتحدى المجتمع الدولي. في حال التزمت الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي بحدود القانون الدولي والشرعية الدولية، خاصة وأن إسرائيل ما تزال دولة غير مستقلة وغير قادرة على تأمين بقائها وقوتها بدون دعم الولايات المتحدة، والدول التي صنعتها.
الباحث الأسترالي اليهودي جدعون بوليا، قدم دراسة أكاديمية مؤخراً، حملت عنوان "أستراليا تهدد الأكاديميين اليهود"، يستنتج أن الولايات المتحدة، صرفت مبالغ أسطورية، قدّرها بأربعين تريليون دولار هي تكلفة بقاء إسرائيل، ولدعم استقرارها الاقتصادي والاجتماعي والعسكري، وهي ما تزال الضامنة الأكيدة لبقاء إسرائيل واستقرارها فهل يمكن للعصابة المتطرفة التي تدير السياسة الإسرائيلية أن تتحدى الإرادة الأميركية في حال توفر هذه الإرادة؟
إذا كانت إسرائيل مصرة على الاستمرار بسياساتها الإجرامية، التي ينتفض عليها عريقات، فإن المشكلة هي أن الفلسطينيين مترددون في توظيف ما لديهم من أوراق وخيارات لمواجهة هذه السياسات الإجرامية، لكن طغيان التشاؤم على تصريحات المسؤولين الفلسطينيين قد لا يعكس الحقيقة.
زيارة كيري للسعودية صاحبة المبادرة العربية للسلام، وقائدة مجلس التعاون الخليجي، والدولة المركزية في ضوء تطورات الوضع العربي، هذه الزيارة تنطوي على معان وأبعاد، ترجح صحة الانطباعات الإيجابية التي يطلقها كيري. فقط نشير إلى أن أي اتفاق تسوية، يتطلب دعماً عربياً سياسياً، ومادياً، وسيرتب على العرب أن يدفعوا جزءاً من الثمن، ألم تنص مبادرة السلام العربية على استعداد العرب للتطبيع بعد التوقيع؟