زفَّ رئيس الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة إسماعيل هنية إلى الشعب الفلسطيني، أمس، نبأ إنهاء الانقسام بعد توقيع وفدي منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس على اتفاق بهذا الشأن.
وينص الاتفاق على سبعة بنود لتنفيذ ما سبق واتفق الطرفان الفلسطينيان على تنفيذه في القاهرة وفي مكة وفي الدوحة خلال السنوات الأخيرة. وبرغم ترحيب كل القوى الفلسطينية بهذا الاتفاق، إلا أنّ الجميع لا يزال حذراً في التعامل معه خشية تكرار مشاعر الخيبة السابقة. فقط إسرائيل تعاملت مع الأمر بطريقتها الرفضية العنيفة عبر قصفها لمقاومين أثناء تلاوة بيان المصالحة وإصابة 12 مدنياً بجروح. كما سارعت الإدارة الأميركية للإعلان عن أن دعمها لأي حكومة فلسطينية مشروط باعتراف هذه الحكومة بإسرائيل.
وبعد ساعات قليلة من المحادثات في جلستين عقدتا بين وفدي منظمة التحرير وحماس وقّع الوفدان على اتفاق لإنهاء الانقسام. وقال هنية إننا "نزف لشعبنا انتهاء الانقسام"، مشيراً قبل تلاوة البيان إلى الاتفاق على آليات تطبيق المصالحة. وجاء هذا الإعلان في ظل أحاديث متفائلة من جانب المشاركين في المحادثات، وحذر يكاد يصل إلى درجة عدم التصديق من خارجهم. وربما أن البعض انتبه خلال المؤتمر الصحافي إلى سؤال إحدى الصحافيات عن الضمانات لتنفيذ هذا الاتفاق كتعبير عن حالة الريبة السائدة. كما أنّ آخرين التقطوا إجابة رئيس وفد منظمة التحرير عزام الأحمد حين قال إنّ هذه هي المرة الأولى التي يصل فيها وفد رسمي للبحث بجدية في مسألة إنهاء الانقسام. ولا ضير، من باب الحذر، الإشارة إلى أن الردود على الأسئلة من جانب كل من الأحمد وهنية انطوت على إشارة إلى استمرار الخلافات في قضايا جوهرية سياسية وإجرائية.
عموماً، جاءت خلاصة البيان في مقدمته بالقول "قررنا الالتزام بكل ما تم الاتفاق عليه في القاهرة والدوحة واعتبارها المرجعية عند التنفيذ". وتضمنت آليات التطبيق بدء الرئيس الفلسطيني محمود عباس مشاورات تشكيل حكومة التوافق الوطني وإعلانها خلال خمسة أسابيع، وإلى الاتفاق على تزامن الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني بحيث يحدد الرئيس عباس موعدها بالتشاور على أن تتم الانتخابات ليس قبل مرور ستة أشهر من تشكيل الحكومة. وتم الاتفاق على تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية في غضون خمسة أسابيع واستئناف عمل لجنة المصالحة المجتمعية، ولجنة الحريات فضلاً عن تفعيل المجلس التشريعي، وفق ضوابط واشتراطات متفق عليها.
وأعلنت إسرائيل رفضها للاتفاق بين حماس وفتح ليس فقط بالكلام وإنما أيضاً بالقذائف. فقد أصيب، أمس، وأثناء تلاوة بيان الاتفاق 12 مواطناً في قصف إسرائيلي على بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة. وأعلنت كتائب شهداء الأقصى لواء "الشهيد نضال العامودي" نجاة عناصر لها بعد استهداف الطيران الحربي الإسرائيلي لدراجة نارية في بيت لاهيا. وأشارت مصادر إسرائيلية إلى استهداف طائرة من دون طيار لمقاومين بصاروخين على الأقل وأن الغارة كانت "عملاً وقائياً" ضد مطلقي الصواريخ.
وقد حمل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على المصالحة وعلى الرئيس عباس، مشيراً إلى أنه "بدل أن يتقدم في مفاوضات السلام مع إسرائيل تقدم للسلام مع حماس". وشدد على "استحالة أن يحقق الأمرين معاً" وأن معنى موقفه هو "أنه غير مهتم بالسلام مع إسرائيل". وفي السياق ذاته، أعلن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية، مساء أمس، أنّ تل أبيب قررت إلغاء الجلسة التفاوضية التي كان مقرراً عقدها الليلة الماضية احتجاجاً على اتفاق المصالحة.
من جهته، شدد وزير الخارجية الإسرائيلي افغيدور ليبرمان على أن اتفاقية المصالحة الفلسطينية تشكل "إنهاء لعملية السلام في المنطقة". كما قال نائب وزير الخارجية الإسرائيلي زئيف الكين "تكشف إقامة حكومة وحدة بين (الرئيس محمود عباس) أبو مازن وحماس مرة أخرى وحدة الأهداف بين مخرّبي حماس وقيادة فتح المتمثلة بتدمير دولة إسرائيل". وأعلن زعيم "البيت اليهودي" نفتالي بينت أنّ المحادثات بين حماس وفتح بشأن تحقيق المصالحة الفلسطينية، تجعلنا نقول إن هذه المصالحة ستشكل حكومة "وحدة وإرهاب".
وكان الرئيس عباس شدد عقب إعلان الاتفاق على عدم وجود "تناقض بين المفاوضات (التسوية) والمصالحة". وقال، في بيان رسمي، "لا تناقض بتاتاً بين المصالحة والمفاوضات، خاصة أننا ملتزمون بإقامة سلام عادل قائم على أساس حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية".
ورحّبت حركة حماس بالاتفاق، معتبرة أنه أعاد الاعتبار للقضية الفلسطينية وأنه يمثل نقطة تحول مهمة وتاريخية في تاريخ الشعب الفلسطيني. كما باركت حركة فتح الاتفاق، مثمّنة "جهود الجماهير والمجموعات الشبابية التي نفذت فعاليات ضاغطة على المجتمعين". كذلك، رحّبت الجبهتان الشعبية والديموقراطية بالاتفاق وطالبتا بالسعي الحثيث إلى تنفيذه والاتفاق على إستراتيجية سياسية. كما رحّبت جبهة النضال الشعبي الفلسطيني بالاتفاق، واضعة إياه في السياق الطبيعي لاستعادة الوحدة الوطنية لكافة مكونات الشعب الفلسطيني. ودعا الاتحاد الديموقراطي الفلسطيني "فدا" الجميع إلى التحلي بروح المسؤولية الوطنية العالية والمباشرة فوراً بتنفيذ هذا الاتفاق.
في غضون ذلك، أبدت الإدارة الأميركية تذمّرها من اتفاق المصالحة حيث أبدى مسؤول رفيع المستوى فيها تأكيده على أن الولايات المتحدة ستعترف بحكومة الوحدة التي ستنشأ في السلطة الفلسطينية فقط إذا اعترفت بإسرائيل وتنكرت للعنف واحترمت الاتفاقيات السابقة الموقعة مع منظمة التحرير. وقال هذا المسؤول لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، "كنا واضحين بشأن المبادئ التي ينبغي لحكومة الوحدة الفلسطينية الاستناد إليها للعب دور إيجابي في العملية السلمية ولبناء الدولة الفلسطينية". وأضاف أنّ كل حكومة فلسطينية تقام ملزمة "بالتعهد بشكل واضح وصريح بنبذ العنف، والاعتراف بإسرائيل وقبول الاتفاقيات والالتزامات السابقة بين الطرفين، بما في ذلك خريطة الطريق". وشدد على أن موقف أميركا من أي حكومة فلسطينية جديدة يستند إلى مدى التزام هذه الحكومة بهذه المبادئ.
وفي كل حال تحدثت مصادر فلسطينية عن توقعها بأن يصدر عباس اليوم مرسومين رئاسيين بشأن المشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة التي يقال إنها ستكون حكومة كفاءات برئاسته. ولكن من المؤكد أن تشكيل الحكومة ليست العقدة حالياً بقدر ما تتمثل في طريقة التعامل مع الأجهزة الإدارية والأمنية التي أنشأتها حماس في قطاع غزة ومسألة المعابر.
عموماً، بعث الاتفاق في نفوس الفلسطينيين في قطاع غزة أملاً بقرب حل جانب من المشاكل التي تثقل كاهلهم سواء لجهة العمل أو الحركة. ولكن هذه الآمال، وكما سبق القول، تظل حذرة ومشروطة.