قرأتُ في أحد أيّام هذا الأسبوع الرّبيعيّ الجميل خبرين غير عاديين من عاصمتين مهمتين وصديقتين حميمتين تقليديّتين لدولة إسرائيل، أفرحاني وأكّدا لي مجدّداً بما لا يقبل الطّعن أو الشكّ أنّ ليل الاحتلال زائل قريباً قريباً.
الخبر الأوّل جاء من واشنطن، عاصمة أوباما وبوش وجونسون، وبلد اللوبي اليهوديّ الصّهيونيّ الليكوديّ يقول: أطلق ناشطون رياضيّون أميركيّون وعرب في الولايات المتّحدة حملة لطرد إسرائيل من الاتّحاد الدّوليّ لكرة القدم "الفيفا" تحت عنوان "الكرت الأحمر لإسرائيل" على ضوء خروقاتها المتكرّرة لحقوق الرّياضيّين الفلسطينيّين وحقوق الإنسان بشكل عام. ويستند النّاشطون على أسبقيّة تاريخيّة عندما علّقت الفيفا رسميّاً عضويّة اتّحاد كرة القدم في جنوب إفريقيا بين عاميّ 1964 و1992 ما ساهم آنذاك بالضّغط الدّوليّ لإنهاء نظام الفصل العنصريّ.
وأمّا الخبر الثّاني فجاء من سدني، بلد اللوبي اليهوديّ ذي التّأثير الكبير، وبلد أكثر الدّول صداقةً وتأييداً لإسرائيل، يقول انّ قنال "أي.بي.سي" المحليّ بثّ برنامجاً تلفزيونيّاً عبارة عن تحقيق خاصّ بعنوان "عدل بارد كالحجر" يصوّر تعذيب قوّات الأمن الإسرائيليّة للأطفال الفلسطينيّين مثل الاعتقال في الليالي المظلمة واستعداء كلاب الصّيد عليهم والتّعذيب الجسديّ والنّفسيّ وصدمات الكهرباء...الخ. وقد كتب الصّحفيّ البارز رونين برغمان في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الذي كان في زيارة لسدني "هذا المنتوج الإسرائيليّ المسمّى الاحتلال ما عاد بالإمكان تسويقه أو بيعه في العالم" وذكر أنّ السّيّد بوب كار، وزير الخارجيّة الأستراليّة السّابق، نشر مذكّراته في هذا الشّهر التي أضافت زيتاً على النّار ووصف فيها سياسة بلاده الخارجيّة فيما يتعلّق بإسرائيل بأنّها "مخجلة" و"ليكوديّة" وأنّ أستراليا أصبحت خاضعة لأوامر اللوبي اليهوديّ تماماً مثل جزر مارشل. ويضيف برغمان، وهو خبير أمنيّ أيضاً، أنّ ما حدث في أستراليا يجب أن يُفْهِمَ قادة إسرائيل بأنّ صبر العالَم على الاحتلال قد نفد، كما أنّ نظرة العالَم لإسرائيل وتوجّهه إليها يذكّرنا بتعامله مع نظام الأبرتهايد في جنوب إفريقيا. ويضيف بأنّ نظام الأبرتهايد انهار في العام 1992 بعد أن صار مجنوناً ومنبوذاً. ويشهد رونين برغمان ? وشهد شاهد من أهله ? بأنّ دلائل وإشارات في سنوات الثّمانينات كانت تقول انّ العالَم ملّ وزهق من الأبرتهايد كما أنّ سياسيّين وصحافيّين عالميّين تنبّأوا يومئذٍ بأنّ نظام الأبرتهايد سينهار قريباً ما عدا زعماء دولتين اعتقدوا غير ذلك وهما جنوب إفريقيا وإسرائيل. وينهي مقاله: من الضروريّ أن نقرأ العلامات والإشارات بصورة أفضل قبل أن نتحوّل إلى مجانين منبوذين".
نتنياهو لا يقرأ ما تقوله الأراضي الفلسطينيّة ولا ما تقوله أوروبا وإفريقيا وآسيا... وحتّى أميركا. ونتنياهو وليكوده وبيته اليهوديّ أعماهم الحقد وأضلّتهم القوّة العسكريّة فلا يقرأون ولا يرون ولا يسمعون ولا يدركون أنّ الليل زائل وأنّ الاحتلال زائل وأنّ الجدار زائل، ولم يبق أمام الاحتلال القبيح إلا أن "يلمّ شراشه" الوسخ وينسحب من الأرض ومن الهواء ومن الماء ومن البحر ومن النّبات ومن الشّجر ومن الأحياء ومن الشّوارع ومن الجوّ ومن البرّ.
بضاعة الاحتلال الفاسدة لا أحد في العالم يشتريها، وإذا كانت عصافير سدني صديقتهم، وواشنطن حبيبتهم، توشوش ذلك، فماذا بقي للاحتلال؟
ارحلوا! ارحلوا! لا بدّ من أن ترحلوا!!