هاني العقاد قد تكون "إسرائيل"عادت إلى سياسة الاغتيالات في صفوف المقاومة الفلسطينية بالأسلوب والطريقة التي تقررها أجهزتها الاستخبارية، هذا الاحتمال بدا مؤكداً بعد اغتيال الشهيد محمد الزواري
الذي خدم في صفوف حركة حماس كمقاوم عربي منتمي للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية كل العرب، كل الأدلة تشير بوضوح إلى تورط الموساد الإسرائيلي في عملية الاغتيال الجبانة التي وقعت على الأرض التونسية من خلال إرسال قوات خاصة لتصفية الرجل، لا أريد أن أتحدث عن الطريقة التي استطاعت فيها المخابرات الإسرائيلية اصطياد هذا الرجل أو كيف استطاعت اكتشافه، والتأكد من هويته ومتابعته، مع أن كلها عمليات دقيقه وحساسة قد تكون استغرقت زمناً طويلاً بحسب اعتقادي، لكن ما أتحدث عنه هو أسلوب "إسرائيل"الخطير في التعامل مع رجال المقاومة الفلسطينية خارج فلسطين وداخلها على السواء، ما يدلل أن "إسرائيل"لم توقف سياسة الاغتيالات بالمطلق بل وضعت تلك السياسة تحت ضوابط دقيقة لا تطبق إلا على المستوي الحساس والهام وتستهدف رجال لا يعرفهم أحد سوى دوائر ضيقة جداً من المقاومة ولهم تأثير كبير على طبيعة الاستعداد للمعركة القادمة والتي تقول "إسرائيل"أنها تجهز لها و ما هي إلا مسألة وقت.
هذه هي العملية الثالثة التي تنجح فيها "إسرائيل"بالوصول إلى قيادات هامة وحساسة على المستوي الاستراتيجي بعد اغتيال محمود المبحوح 2010 في فندق في مدينة دبي واغتيال عمر النايف في السفارة الفلسطينية ببلغاريا مع أن هناك تشابه في تنفيذ عمليات الاغتيال من حيث الأسلوب والسرية والأداة وعدم الاعتراف أو التبني، لكن عملية اغتيال الزواري تختلف تماماً عن طرق اغتيال المبحوح والنايف بسبب يتعلق برسائل تريد "إسرائيل"إيصالها للمقاومة الفلسطينية، لعل عملية اغتيال الزواري في تونس تشير بوضوح إلى ذات الجهة التي رسمت الخطط من حيث دقة الأداء وسرية وطريقة دخول البلاد وتنفيذ عمليات الاغتيال والانسحاب من المكان مع اختلاف بسيط مقصود وهو ترك بعض الشواهد كأدلة واضحة على الاغتيال ورسالة موجهة إلى المقاومة الفلسطينية محتواها أن حرب الاغتيالات لم تتوقف يوماً ما وأنها مستمرة والهدوء بين المقاومة و"إسرائيل"في غزة لا يفرض على "إسرائيل"الامتناع عن تنفيذ عمليات اغتيال دقيقة وذات تأثير عميق على طبيعة المواجهة بين "إسرائيل"والمقاومة الفلسطينية على الأرض.
السؤال الذي يفرض نفسه علينا في السياق هل أعلنت "إسرائيل"حرب الاغتيالات بعدما أوقفتها تكتيكياً على الأرض الفلسطينية..؟ وكان آخرها اغتيال الشهيد أحمد الجعبري، نقول أن "إسرائيل"لم توقف يوماً من الأيام هذه الحرب واستهداف القيادات الفلسطينية، ولم توقف عمليات الملاحقة الاستخبارية للقيادات الفلسطينية السياسية والعسكرية هنا في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة ودول العالم العربي وأوروبا وحتى شرق آسيا، ولابد من أن نؤكد أن "إسرائيل"مازالت تعمل على تتبع وملاحقة ورصد كل القيادات الهامة السياسة والعسكرية ومازالت تنتهج أساليب جديدة في حربها هذه باعتبارها أساليب مواجهة للفلسطينيين تشرعنها، الملاحظ أنها قننت ذلك خلال الفترة الأخيرة لعوامل وأهداف خاصة بالمؤسستين الأمنية والعسكرية الإسرائيلية لكنها اليوم بهذا الاغتيال تعلن أن حربها مستمرة وقد تكون عبر عمليات نوعية، المهم هنا هو الدرس الذي يجب أن نفهمه من عمليات الاغتيال الخطرة التي نفذت خلال السنوات الست السابقة سواء عمليات اغتيال مخابراتي أو عسكري أن "إسرائيل"تخطط لتنفيذ عمليات اغتيال بحق كل القيادات الفلسطينية السياسية والعسكرية الهامة وتدرجها حسب أولويات محددة وأهمية قصوى.
المؤكد أن "إسرائيل"لم توقف سياسة الاغتيالات ولم تلغيها من قاموس المواجهة مع الفلسطينيين ولعلها تترصد كعادتها صيداً ثميناً كما حدث مع اغتيال الشهيد محمد الزواري في تونس لتقنص هدفها هنا أو هناك وهذا يحتم على الفلسطينيين ليس الانتباه فقط بل تعميق العمل السري للقيادات الفلسطينية المقاومة والانتباه أكثر للقيادات السياسة التي يتطلب واقعها الظهور في كل مناسبة، ولابد هنا من الحديث عن ازدياد احتمالات تدحرج الأمور بين "إسرائيل"والمقاومة الفلسطينية في المستقبل ومع أي حالة اغتيال جديدة تصل إلى مرحلة المواجهة الشاملة من جديد في جولة قتال جديدة تكون ساحتها غزة وتكون من أعقد المعارك التي تشهدها المنطقة وقد تغير كل العلاقات السياسية الإقليمية والدولية، وتغير أساليب حل الصراع لتفرض "إسرائيل"حلولها بقوة السلاح والقوة العسكرية وفرض الوقائع على الأرض، وما يجعل احتمالية حدوث هذا الواقع هو عدم اكتراث "إسرائيل"لكل معايير الأمن والاستقرار في الإقليم ولا حتى بينها وبين الفلسطينيين وما في رأسها فقط هو الغرور العسكري وعدم احترام المعاهدات الدولية ولا القانون الدولي الإنساني وهذا من أهم الأسباب التي تجعل "إسرائيل"تعمل وكأنها دولة خارج إطار القانون الدولي وهذا ما يجعل من "إسرائيل"كيان لا كوابح لعدائها ولا ضامن لأن تحترم الإرادة الدولية وتمتثل لكل احتياجات الأمن والاستقرار وتقنع بأن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية ومنح الفلسطينيين حق تقرير المصير وأولها إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ضرورة للاستقرار الشامل لكل شعوب المنطقة العربية.