بعدما أفشلت "إسرائيل" الجولة "الأخيرة" من المفاوضات الفاشلة أصلاً، عادت إلى لغة التهديد بمعاقبة الفلسطينيين لأنهم رفضوا الرضوخ لمطالبها وشروطها التي لا يمكن أن يقبلها حتى عملاؤها ومخبروها .
بنيامين نتنياهو يهدد باتخاذ إجراءات أحادية الجانب رداً على تقدم السلطة بطلب الانضمام إلى خمس عشرة اتفاقية ومعاهدة دولية، فبنظره هذه خطوة أحادية الجانب وسيقابلها بخطوات مضادة، ثم أعاد تشغيل الأسطوانة إياها بأن الفلسطينيين سيحصلون على دولة عبر المفاوضات المباشرة فقط .
التهديدات التي يطلقها نتنياهو وغيره من قيادة الكيان ربما تمس بعض الشرائح المستفيدة من الوضع القائم بما فيه وجود الاحتلال، لكنها فارغة المحتوى والمضمون بالنسبة للشعب الفلسطيني الذي ليس لديه ما يخسره، ولا يستطيع الاحتلال أن يهدد بما يمارسه أصلاً بحق الفلسطينيين وأرضهم وممتلكاتهم ولقمة عيشهم . هو يهدد بمنع شركة اتصالات من وضع البنية التحتية اللازمة لتشغيل خدمتها للهواتف النقالة في غزة، فهل يعيش أهل غزة في بحبوحة ورغد ولا ينقصهم سوى الهواتف النقالة؟ وهل يضير شعباً بعد حصار تجاوز عمره الثماني سنوات وتعوّد حتى على انقطاع الكهرباء وانعدام مياه الشرب النظيفة وحرمه الاحتلال من حقه في العلاج، أن تحجم اتصالاته الخليوية؟
أما مشاريع البناء في أجزاء من الضفة والخطط الهيكلية التي يهدد بوقفها فهي آخر ما ينفع المواطن الفلسطيني . أما التهديد بوقف اللقاءات بين مسؤولين "إسرائيليين" بمستوى وزراء ومديرين عامين مع نظرائهم الفلسطينيين، فهذه ينبغي على الجانب الفلسطيني أن ينفذها لا أن يهدد بها فحسب . هل يعقل بعد ربع قرن من المفاوضات المباشرة بين الجانب الفلسطيني من جهة و"إسرائيل" وأمريكا من جهة ثانية، أن يكون التهديد "الإسرائيلي" بوقف الاتصالات مع الجانب الفلسطيني ذا معنى ومغزى وتأثير؟
يبقى التهديد بإعادة الحواجز وتوسيع سياسة هدم المنازل وتنفيذ أعمال بناء واسعة في المستوطنات، وهذه كلّها ليست بحاجة إلى تهديدات، لأنها موجودة وجارية وبأعلى درجة من السرعة والكثافة . الأمر الأهم أن الفلسطينيين طالما بقي الاحتلال لا يعنيهم ما يفعله حتى وإن كان تنكيلاً بهم، فهم أصلاً يناضلون منذ سبعين عاماً غير مكترثين بما يترتب على نضالهم من نتائج ودفع ثمن، ولا ترعبهم التهديدات بعدما ذاقوا شتى صنوف العدوان بدءاً من الاعتقال والنفي الفردي والجماعي، مروراً بهدم المنازل ومصادرة الأرض واقتلاع الأشجار وحرق المزروعات وتقييد التنقّل والحركة، وانتهاء بالاجتياحات والمجازر . ماذا بقي لقادة الاحتلال لكي يهددوا الفلسطينيين به؟
المساومة الرخيصة المتمثّلة بإلغاء الإفراج عن الدفعة الرابعة من قدامى الأسرى لن تجدي نفعاً، وعلى قادة "إسرائيل" أن يفهموا محتوى الرسائل المسربة من السجون إلى القيادات والشعب، التي يقولون فيها إنهم يرفضون دفع ثمن حريتهم من الثوابت الوطنية . الأسرى ضحوا بحرياتهم الشخصية من اللحظة التي التحقوا فيها بالنضال ضد الاحتلال، ضحوا بحرية فردية من اجل حرية الشعب والوطن، فهل يشترون حريتهم بالتنازل عن حرية الوطن والاهداف التي ناضل لأجلها الشهداء، ودخلوا هم السجون لأجلها؟ هم يطالبون القيادة الفلسطينية بعدم الرضوخ، والقيادة بالتالي مطالبة بأن تراهن على الشعب الفلسطيني وهؤلاء الأبطال خلف القضبان، وليس على أمريكا ومفاوضاتها البائسة .