بقلم: أبو فاخر/ أمين السر المساعد لحركة فتح الانتفاضة الفلسطينية«حبيب مازال في عينيك اسئلة تبدو.. وتنسى حكاياها فتنتقم وما تزال بحلقي ألف مبكية رهبة البوح تستحيي وتضطرب يكفيك أن عدانا أهدروا دمنا ونحن من دمنا نحسو ونحتلب» شاعر اليمن المبدع البردوني رحمه الله في رائعته (أبو تمام وعروبة اليوم)
أطل على غزة العزة، اتفاق جديد، هو بمثابة تفاهم ثنائي، رعته جمهورية مصر العربية وتعمل على ترسيخه وحراسته، فليس مسموحاً التهرب منه أو التفلت من أي التزام نص عليه الاتفاق. والاتفاق الجديد هذا يحمل اسم الاتفاق (المصالحة)، مما يعني أنه اتفاق بين طرفي السلطة، حركتي فتح وحماس، وعلى الرغم من أن هذا الاتفاق ليس هو الأول بل سبقه عدة اتفاقيات بدءً من اتفاق القاهرة عام 2005، و2011، ومن بعدهما اتفاق مكة، وصنعاء، والدوحة، ومخيم الشاطئ، وتفاهمات اللجنة التحضيرية في بيروت أوائل هذا العام، إلا أنه يعد الأول من نوعه، رغم أن العديد من نقاطه وما يتضمنه منصوص عليها في الاتفاقيات السابقة. فلقد أثمر عن حل اللجنة الإدارية في قطاع غزة التي أرادتها حركة حماس بمثابة حكومة لسلطتها، وفتح هذا الباب بحضور حكومة (الوفاق) برئاسة رامي الحمد الله مع عدد من وزرائه ومسؤولي أجهزة أمنية تابعة للسلطة إلى قطاع غزة. ونقلت وسائل الإعلام الزفة، وحفلات الدبكة والرقص، والخطابات والمؤتمرات الصحفية، والمقابلات المتلفزة التي احتكرتها الفضائيات المصرية، وكيف لا وجمهورية مصر العربية هي راعية الاتفاق وصانعته بل وتشكل مانعة صواعق له يقيه من صاعقة جديدة تحرقه وتودي به وكأنه لم يكن. وبادئ ذي بدء يتوجب الإشارة إلى أن ما يهمنا بالدرجة الأولى هو فك الحصار عن قطاع غزة، وإنهاء مفاعيله، فيكفي القطاع وأهله حصاراً، وتضييق عيش، وحرمان من الكهرباء والدواء، يكفيه ما تركه الحصار من معاناة وأيام سوداء في حياة أهلنا البواسل في القطاع الحبيب، ويهمنا أيضاً فتح معبر رفح وتمكين الناس من الدخول والخروج دون عوائق، ليعيشوا حياتهم كبشر يسافرون ويعودون، يخرجون للدراسة أو العمل أو العلاج، ثم لا يلبثوا أن يعودوا دون إهانة على المعبر، أو موت لطول ساعات الانتظار في الشمس الحارقة. ويهمنا بشكل أساسي خلق الأجواء المناسبة لإتمام المصالحة المجتمعية داخل القطاع إثر الأحداث الدموية المؤسفة التي وقعت في عام 2007، لإزالة كل عوامل الاحتقان، ومن أجل تكريس التلاحم الوطني بين أبناء الشعب الواحد، والتلاحم هنا ببعده الاجتماعي، وهو أمر مختلف تماماً عن موضوعة الوحدة الوطنية. وإذا كان هذا هو ما يطلبه المحاصرون والمعانون، فإن هناك أبعاداً أخرى في الاتفاق لا يجوز أن تغيب عن البال في القراءة، مما يجعل الإجابة على جملة من الأسئلة بصوت عال وبشكل واضح أمراً ضرورياً لقراءة هذا الاتفاق بشكل دقيق، ويجيب على السؤال المطروح، هل غزة الجديدة في ظل التفاهم الثنائي، قلعة مقاومة؟، أم حاضنة مشاريع التسوية (التصفية)؟. فالاتفاق محاط بمشروع سياسي تسووي، تطلق عليه أميركا اسم صفقة المنتهى، وتطلق عليه الصحافة الصهيونية اسم صفقة القرن، ووزير خارجية مصر العربية لم يختبئ وراء إصبعه، فلقد قال بوضوح أن هناك حلاً إقليمياً قادماً وله رعاية إقليمية ودولية، ورعاة الاتفاق من جمهورية مصر العربية قالوا بعدم البحث راهناً بسلاح المقاومة قبل التوصل إلى تسوية، والرباعية الدولية أدلت بدلوها هي الأخرى بقولها إن المصالحة مدخلاً للتسوية، ودولاً عربية غربية تبرعت بالقول أن الفيتو قد رُفع عن المصالحة من جانب أميركا وإسرائيل لضمان نجاحه وتطبيقه، وإذا كان الانقسام في الماضي مطلوباً والمصالحة ممنوعة، فالمصالحة اليوم مطلوبة ومن يتفلت منها يكون مطلوباً وربما (للانتربول)، وهاهي منظمة التحرير حازت على العضوية في هذا المؤسسة الدولية. وصفقة القرن تتضمن طرح المشروع الصهيوني القديم، إعادة توطين جزء من الفلسطينيين في سيناء بعد موافقة مصر، وأن العمل جار على إعادة إحياءه بحجة أن حماس أضحت الآن في حضن السلطة، وعليه هل يؤدي هذا الاتفاق إلى نقل مركز السلطة من رام الله إلى غزة؟ بمعنى أن الكيانية الفلسطينية إذا ما كتب لها أن ترى النور هي في القطاع، أما الضفة فلها مخطط آخر يقوم على ضم الضفة الغربية أمنياً للكيان الصهيوني مع بقاء المستوطنات وإلحاق السكان بالأردن. وعودة إلى الأسئلة التي ستظل موضع نقاش ونحن نرصد ونتابع مفاعيل الاتفاق والاتجاه الذي يسير فيه، وأول ما يدور في الذهن من الأسئلة، هل تعاطت سلطة رام الله وحركة فتح على وجه التحديد في هذا الاتفاق على أن حماس (حالة انقلابية وخارجة عن الشرعية) كما يتردد طويلاً في خطابهم السياسي، وهل استسلمت حماس لهم ورفعت الراية البيضاء جراء الأزمات التي تعانيها وتعيش بها، فعادت إلى حضن السلطة، أم أن حركة فتح قد عفت عن الماضي وأجرت تفاهم وشراكة في مسار سياسي قادم؟. هل أعادت حركة حماس النظر في مقولتها بأنها قادرة على الجمع بين السلطة والمقاومة عندما انخرطت في انتخابات المجلس التشريعي ومن بعد ذلك الانخراط في مؤسسات سلطة أوسلو كالحكومة وقد تولت رأستها فترة من الوقت، أو التي شاركت في تشكيلها، فعادت اليوم إلى مربعها الأول، مربع المقاومة بعيداً عن السلطة!. هل حقاً أن حركة حماس وجدت نفسها في أزمة كبيرة، ولم تعد قادرة على إدارة القطاع وعلى تحمل أعباء هذه الإدارة والمسؤولية فحلت اللجنة الإدارية وسلمت إدارة القطاع لحكومة الوفاق ورئيسها رامي الحمد الله. هل أضحت حركة حماس تتخبط بأزماتها التي صنعتها بيدها منذ لوثة ما يسمى (الربيع العربي)، وعندما ذبل وتهاوى وانطفئ رفعت الراية البيضاء واختارت الاستفادة من حكمة (الملك الضليل)، الشاعر الجاهلي امرؤ القيس وهو يقول (لقد طوفت في الآفاق... حتى رضيت من الغنيمة بالإياب). هل حقاً أن حركة حماس باتت تدرك أن السيد محمود عباس قد انتهى دوره، سواء على الصعيد الصحي وقد جاوز الرجل الثمانين من عمره وبات يسير وإلى جانبه أطبائه كما يتردد في العديد من الأوساط عربياً وإقليمياً ودولياً، وأنه لم يعد مقبولاً عند أحد ولا حتى عند مصر كما غرد مؤخراً الدكتور محمود الزهار، وأن المرحلة القادمة هي مرحلة ما بعد السيد عباس، وهو أمر يشغل بال حماس، كما يشغل بال حركة فتح تحديداً، فوضعت حماس نصب أعينها أن تكون الوريث فهي مؤهلة سلاحاً وبنية ونفوذاً وأنصاراً ومؤيدين، وإذا ما حصلت انتخابات قادمة ستفوز بحصة الأسد. مجموعة من الأسئلة من حقنا أن نطرحها بل من حق كل فصيل أن يتوقف عندها ويفكر بها قبل الاستعداد لركوب الطائر الميمون صوب القاهرة في اجتماع فصائلي يبارك الاتفاق، بل من حق كل فلسطيني أن يعرف المسار بوضوح بعيداً عن التعمية والتجهيل أو الخداع وتزيين الأمور. للطرفان حركتي فتح وحماس مصلحة في هذا الاتفاق ، والحديث عن المصالح يحتاج إلى حديث طويل، لكن ما هو ثابت وواضح وأكيد أن هذا الاتفاق ثنائي ومطلوب أن يكون كذلك ، وأن يكون له غطاء من باقي الفصائل، غطاء ليس إلا. إنه اتفاق محاصصة وشراكة وليس اتفاق لبناء وبلورة المشروع الوطني التحرري، واتفاق المحاصصة والشراكة المحاط بمشروع سياسي تصفوي، لا يؤسس لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، ولا ينتج مشروعاً وطنياً، ولا يحمي خط ونهج خط وثقافة المقاومة، ولا ينتج عنه برنامج وطني، يحمي القضية من براثن التصفية، والوطن من مخططات ومشاريع التهويد والاستيطان، والحقوق من مخططات التآمر والتبديد والضياع. ومهما يكن من أمر، فتاريخ الشعب الفلسطيني النضالي ينبأنا أنه في المفاصل الخطيرة يهب دفاعاً عن قضيته، ويهب في مواجهة المشاريع والحلول التصفوية، هكذا كان تاريخه المشرف منذ وعد بلفور، وها نحن في الذكرى المئوية على هذا الوعد المشؤوم، وشعبنا لم يستكين ولم يتوقف عن نضاله. وغزة العزة ستظل قلعة مقاومة ورمزاً كفاحياً مشرقاً، هذا هو التحدي، وتاريخها المقاوم، أثبت أنها عصية على الإخضاع وإنها لن ترفع الراية البيضاء، وأنها ستفشل كل مشاريع التسوية تكاملاً مع نضالات أبناء شعبنا في عموم الوطن وفي ساحات الشتات.