عصر الإثنين كانت الصحفيتان سيراء سرحان وجيهان عوض يراجعن الأجندة المفترضة لعملهن اليومي. وكانت الدعوات لتغطية الفعاليات ما زالت تردهن. لكن قرارات عسكرية وتهديدات هاتفية وأخرى مكتوبة أوقفت عمل طاقم قناة #فلسطين_اليوم تماماً.
وبدأت سيراء في مرحلة مبكرة على الشوق، بافتقاد مكتبها وتزاحم الأخبار اليومي على هاتفها و"كاسة عصير الرمان" هناك، والتحضير لـ"حدث النهار" كل خميس.. وراحت جيهان تتذكر محطات من برنامجها المعروف "شباب للوطن" وتقريرها الأخير عن سيدة في "المروج البعيدة" لا تعرف شيئاً عن يوم المرأة.
وعلى الطاولة ذاتها كانت فداء نصر التي تميزت في نقل أحداث منطقة الخليل المشتعلة طيلة الشهور الستة الأخيرة، تجلس عصراً بدلاً من تغطية وصول جثامين الشهداء الثلاثة في الخليل وسرد قصصهم مع مشاهد كثيرة مستفزة ومؤلمة عن حادثة الإعدام ومصدرها، كما كل مرة، الاحتلال لا القنوات الفلسطينية.
قالت نصر إنها بدأت العمل مع القناة منذ انطلاقتها قبل خمس سنوات، وتركت لأجلها العمل في القناة الرسمية، وصارت "فلسطين اليوم" حياتها اليومية.
رغدة عتمة أيضاً، تخرجت من جامعة النجاح وانضمت مباشرة إلى طاقم القناة التي تخللت كل تفاصيل حياتها، وهي الآن مهددة بالاعتقال ومغادرة بيتها وزوجها وطفلها إذا ما فكرت بالعمل مع قناتها، وهي "تحت المراقبة الدائمة" كما نصّت ورقة تركت على سيارتها باللغة العبرية صباح أمس.
أما أمون الشيخ، التي بدأت العمل مع القناة منذ عام ونقلت انتهاكات الاحتلال في مناطق نابلس وطولكرم وجنين وقلقيلية شمال الضفة، فقد غابت رواية الناس هناك مع غيابها. قالت أمون إن شخصاً يدعى "ديفيد" اتصل بها مهدداً باعتقالها في حال اتصلت بقناة فلسطين اليوم أو مع أي جهة في لبنان، وهو التهديد الذي انسحب على عملها مع صحيفة الأخبار اللبنانية أيضاً.
في المقهى كان مقدم الخدمة ملهوفاً على الطاقم الذي عرفه بالاسم والشخصية، ويجتهد في تقديم "إكرامية" في ظاهرها خدمة عادية وفي باطنها شعور بالتضامن مع الصحفيات، وبالألم لحظر القناة دائمة البث في مقهاه..
بعد قليل سينضم إلى الطاولة جهاد بركات، الشاب الذي لا يهدأ هاتفه من اتصالات الناس في كل قرى وبلدات الضفة، غالباً لإبلاغه بالأخبار لحظة وقوعها وأحياناً لدعوته إلى حدث عادي. وأحياناً هذا العادي يخرج مع جهاد قصة جميلة ومؤثرة، نذكره مثلاً في صورة "رجل الثلج" قبل شتاءين، وفي مرة أخرى رفيق الغزلان الفلسطينية المطاردة قرب رام الله.
قالت له إحدى مدرساته يوماً "عليك التخلص من الخجل المبالغ به"، وجاء عمله في فلسطين اليوم ليضيف شخصية أخرى لفرط التصاقه بالناس من كل الفئات صار أكثر تلقائية مع أمهات الشهداء وآبائهم وأكثر دقة في طلعاته المباشرة وأكثر نقداً مع السياسيين من كل التوجهات في استضافتهم.
يجلس طاقم فلسطين اليوم بعد إغلاقها وحظر عملها في حيرة حقيقية، ربما لم تكن القناة الأولى المستهدفة لكنهم النموذج الذي يسعى الاحتلال ليرهب به كل الصحفيين الفلسطينيين على ما تنقله كاميراتهم وأقلامهم.
قال أحد الكتاب إن "إسرائيل" تعتقل الكاميرا لأنها فشلت في وقف المشهد الذي تنقله الكاميرا..
والجسم الصحفي الفلسطيني أيضاً والسياسة الفلسطينية كذلك، تقصّر في مواجهة محاولة اجتثاث صوت فلسطين على الهواء سواء كانت فلسطين اليوم أو قناة الأقصى أو غيرها.. حتى الآن لم يولد التحرك الرادع لوقف المجزرة المستمرة بحق الإعلام الفلسطيني..
وفلسطين اليوم لم تكن تجربة عابرة في الإعلام الفلسطيني، كانت القناة الأكثر مشاهدة والأكثر زخماً والأكثر قبولاً من جميع الفلسطينيين.. علينا مساندتها!