ما يجب أن يهمنا كشعب فلسطيني ونحن نطوي عاماً جديداً من أعوامنا العجاف العديدة، بين ضوارس هذا الاحتلال الكريه، انتفاضتنا التي تطوي بدورها ثلاثة أشهر من العمل الإيثاري المقاوم. فبها وباستمرارها وتطورها سنجد مقدمات الخلاص،
بعد أن ثبت لنا كلنا بالملموس، يميناً ويساراً ووسطاً، سقوط المراهنات على أي سبل أخرى، ووهم أن تمنحنا "إسرائيل" بعض من حقوقنا رغم اعتراف العالم قاطبة بأحقيتنا لها، بل العكس تماماً، كلما جنحنا للسلم، كلما جنحت "إسرائيل" للتجاهل والتمادي والافتراس، وإذا كانت "إسرائيل" تردد لأزمتها المعهودة حول القدس، التي تحمل الانتفاضة الحالية اسمها، من أنها "عاصمتها الموحدة والأبدية"، نرى رئيس وزرائها اليوم ينتقل إلى الخليل، موطئ أبيهم إبراهيم وأمهم سارة منذ أربعة آلاف عام، وليس من قوة تستطيع إخراجهم منها بعد أن سيّجها بالمستوطنات الكبرى، وخلال بضع سنوات سينتقلون للتغني ببيت لحم التي تمنى شامير قبل رحيله أن تستعيد اسمها القديم "افراتا".
المراهنة على العرب لتحرير فلسطين يجب أن تكون مع حلول العام الجديد قد سقطت، فهؤلاء ليسوا أكثر من ظاهرة صوتية، لا كلامية أو لغوية، كالتجشوء والزعيق والحشرجة والشخير، وعندما "تطوروا" بعض الشيء، أعملوا الذبح والقتل والحرق والتدمير في مقدرات بعضهم بعضاً، فدمروا ليبيا وسوريا والعراق ومصر والسودان وقبلها الصومال ولبنان، لكن الأبشع من ذلك أنهم أساءوا إلى الإسلام أكثر من أي جهات غير إسلامية أخرى، وذلك من خلال الأجسام الإجرامية والتكفيرية الأخرى التي شكلوها وتبنوها ورعوها حتى أصبحت عصية عن الاحتواء، فقاموا بتشكيل أحلاف عربية ودولية وشنوا حروبهم على أشقائهم بدل من أعدائهم، حروب تبدو أنها بلا نهاية، كالحرب على اليمن التي تقارب على دخول سنتها الثانية، في حين على ليبيا وسوريا تقارب سنتها الخامسة، دون أن تطلق رصاصة واحدة على "إسرائيل"، بل إن بعض هذه القطريات بدأت تفكر جدياً بإقامة علاقات علنية معها حذوا بالأخت الكبرى المصرية والصغرى الأردنية ومن لف لفهما من فوق الطاولة ومن تحتها.
السلطتان الحاكمتان في الضفة وغزة، وما هما بحاكمتين، وكذلك من لف لفهما من الفصائل، يكتفون بما قسّمه الله لهم، بعضهم لا يريد هذه الانتفاضة، وبعضهم يريدها من بعيد، ويراهن عليها أن تحقق له أهدافه، بما في ذلك تحقيق وحدته المشروخة منذ سنوات وفتح المعبر ومنع تقسيم الأقصى، وإلغاء تقسيم الإبراهيمي، بريدون منها دون أن بريدونها، دون أن يدعموها بأي شكل من الأشكال، ولهذا لم نر من ضمن آلاف المعتقلين أحداً قيادياً، بعكس الانتفاضة الأولى التي اعتقل فيها مئات القيادات من كل الأطياف. لنحاول تخيّل الأمور بدون انتفاضة كما كان الحال عليه قبل اندلاعها.