ترمي "إسرائيل" من خطوتها العملية تقسيم المسجد الأقصى، إلى سلخ القدس بالكامل، مقدمة إلى منع إقامة حتى دويلة فلسطينية صغيرة فيما تبقى من أراضي الضفة الغربية التي نهشها الاستيطان
وحوّل مدنها إلى أقرب ما يكون من المعازل، يتطلب سفر مواطنها من جنوبها إلى شمالها يوماً كاملاً محفوفاً بالمخاطر، إن لم يكن بمخاطر جنودها على الحواجز، فمبخاطر سوائب مستوطنيها.
لقد رأينا ولمسنا شواهد ودلائل عديدة، كانت كافية لأن تقيم الحد مع أوهام البعض، آخرها بالطبع قرار حكومة نتنياهو الآخير باعتماد الطفل المقدسي إرهابياً يتوجب قنصه إذا ما همّ برشق حجر مما تبقى من حجارتها التي قال عنها تميم البرغوثي "اقتباسات من الإنجيل والقرآن"، وهذا يذكرنا باسحق رابين، شريكنا في "سلام القطعان"، الذي قرر في الانتفاضة الأولى تكسير عظام الأطفال، مما اضطره إلى إنشاء ثلاثة مصانع كبرى لصناعة العصي، فتكسرت على عظام أطفالنا الطرية، دون أن تنكسر إرادتهم.
لكن الشواهد والدلائل على سلخ القدس، بدأت بعد أيام من احتلالها، حين تم ضمّها رسمياً، وإعلانها عاصمة موحدة أبدية للدولة التي لم يكن قد مضى على إنشائها أكثر من عشرين سنة.
ولأن القيادة الفلسطينية أسقطت من قاموسها الضلع الثالث من مثلث العداء لقضيتنا، اعتمدت الحسن الثاني ملك المغرب رئيساً للجنة القدس والسيادة الهاشمية على مقدساتها، ومات الملكان، وشبعا موتاً دون أن يتحرر متراً واحداً منها.
ثم تتالت الشواهد، حين أدرجت ضمن الحل النهائي في اتفاقية أوسلو، ليصار إلى بحثها بعد خمس سنوات من توقيعها، وها هي قد مرّت الخمس سنوات مضروبة في ثلاث (خمس عشرة سنة) دون أن يبدو هناك أي بريق لبحثها. ثم تتالت الإجراءات الاستيطانية فيها ومن حولها، حتى باتت معالم اعتماد القدس الكبرى واضحة مثل الشمس، من عصيون واليعازار ونفي دانيال إلى بيتار وأفرات وتقوع ونيكوديم وال ديفيد إلى أبو غنيم وجيلو ومعالي أدوميم.
وعندما بدأت "إسرائيل" بمنع سكان الضفة من زيارتها، كان يجب أن نفهم أنها محاولات لعزلها عن محيطها الفلسطيني، وكنا نسمع دعوات من بعض مستجدي هذه القيادة أن يقوم العرب والمسلمين بزيارتها لخلق أمر واقع، دون أن يدرك هؤلاء أنها ممنوعة علينا نحن الذين لا نبعد عنها سوى بضعة دقائق بالسيارة.
إن دعوات العرب والمسلمين للتحرك من أجلها وأجل أقصاها، هي إمعان في نفس الجهالة، فهؤلاء الغارقين في التآمر على أوطانهم وإبادة شعوبهم نحراً وقمعاً وتهجيراً وتفقيراً، أعجز من أن ينتصروا للقدس ومقدساتها وأطفالها، الذين بقرار القنص الأخير لن يكون محمد أبو خضير الذي أحرقوه حياً، آخرهم.
*** ***
ارفعوا أقلامكم عنها قليلا
واملأوا أفواهكم صمتا طويلا
لا تجيبوا دعوة القدس، ولو بالهمس
كيلا تسلبوا أطفالها الموت النبيلا. (الشاعر أحمد مطر)