Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

روافع الدور العربي... طلال عوكل

روافع الدور العربي...  طلال عوكل

  القمة العربية في الكويت، تكتسب من مكان انعقادها بعض خصائصها، فالكويت دولة خليجية متعافية، بالرغم من الحراك السياسي النشط، وتعثر التجربة الديمقراطية في ظل التمسك بها والإصرار عليها،

وبوجود معارضة قوية لكنها لم تنزلق نحو دوامة العنف، وهي، أيضاً، دولة نفطية، تحوز على قدرات مالية تجعلها قادرة على مد يد العون لمن يستحقون.

تنعقد القمة، التي تحولت دوريتها السنوية إلى عبء على النظام العربي الرسمي الذي لم يعد قادراً على تحويلها إلى مؤسسة فاعلة في النهوض بالأمة العربية وتعزيز مكانتها السياسية، بعد ردح طويل من الاستقلالات الهشة، والتبعية للمصالح والاستراتيجيات الغربية، ومن التخلف عن ركب العصر والعجز عن حماية حقوق الأمة وثروات شعوبها.

الظروف التي تنعقد فيها قمة الكويت شديدة الأهمية والخطورة في آن معاً، فالأمة العربية تعاني مثلما لم تعان منذ نحو نصف قرن، حيث تتعرض لهزات داخلية وخارجية عنيفة، وتواجه مخططات جهنمية تستهدف ما تبقى من الوحدات الجيوسياسية الكبيرة، ونحو تقسيم المقسم فيما عرف بسايكس بيكو القرن الحادي والعشرين.

وتنعقد القمة في ظل ترنح النظام الدولي أحادي القطب الذي تربعت على قمته لنحو عشرين عاماً، الولايات المتحدة الأميركية، التي لم تتوقف عن خوضها الحروب والتدخلات من أجل إخضاع أصقاع كثيرة وتعميق تبعية أخرى، فلقد أخذ الدب الروسي، والديناصور الصيني يتقدمان نحو أن يشكلا منافساً قوياً، يحد من التطلعات القيصرية للولايات المتحدة الأميركية.

وتنعقد القمة العربية، أيضاً، في ظل غياب الزعامة العربية القوية والراجحة نظاماً وزعيماً، التي يمكن وينبغي أن تقود الأمة العربية إلى التغيير ونحو صياغة مستقبل جديد مختلف لها ولشعوبها المقهورة، بعيداً عن الاستبداد بكل مظاهره وتجلياته، وعن الفساد بكل مسمياته ومخاطره. مثلما القدر لا يركب إلاّ على ثلاث، كما يقال فإن نهوض الأمة العربية، مرهون ببلورة وتفصيل ثلاث روافع تتكامل مع بعضها لكي تكون قادرة على حمل العبء الثقيل الذي ترزح تحته تطلعات الشعوب العربية.

الرافعة الأولى توفر القيادة والقائد، الزعيم والنظام. وهذه الرافعة منوطة تاريخياً بمصر الكبيرة، التي حين يغيب دورها القائد، تفقد الأمة العربية البوصلة ويسيطر عليها الضعف والتشرذم، وتتوفر الفرص للصغار لكي يتطاولوا على الكبار ويتنطحوا لمهمات، لا يستطيعون حملها، إلاّ بالاستناد للقوى الدولية الطامعة.

مصر لا تزال لم تتعاف بعد، وهي في طريقها إلى إقامة نظامها واختيار زعيمها، مصر التي لا تغرق في همومها واضطرابها الداخلي، والتي تعي أهمية تصعيد دورها الخارجي على الصعيدين العربي أولاً، والأفريقي ثانياً والدولي ثالثاً بما يتطلب ذلك من الإيمان، بضرورة الانتقال لحماية أمنها الاستراتيجي وأمن الأمة العربية، من الخارج إلى الداخل، دون تأجيل مهمة إرساء الأمن والاستقرار الداخلي.

تفتقد القمة العربية الخامسة والعشرين في الكويت إلى الصوت الجهوري المدوّي في أرجاء القاعة، هذا الصوت الذي يستمع إليه الجميع بكل إصغاء وقناعة، يتفكرون في كل كلمة وكل جملة، صوت يحدد للأمة العربية خارطة طريقها إلى المستقبل الواعد الذي يرفع علامات الشك والاستفهام التي تحيط بمصطلح الربيع العربي. في ضوء المخاطر التي تحيط بالأمة العربية، والأطماع التي تنطوي عليها سياسات الدولة الإقليمية بما في ذلك إسرائيل، وفي ضوء ما يعانيه كل من العراق وسورية، فإن مصر عليها أن تحمل عبء حماية أمن منطقة الخليج، وأن تقود مسيرة العرب نحو محاصرة الأطماع الاحتلالية والعدوانية الإسرائيلية، من أجل انتزاع حقوق الشعب الفلسطيني وتحرير الأراضي العربية.

الرافعة الثانية، وهي القضية الفلسطينية، التي برزت في قمة الكويت كما في معظم القمم العربية، كقضية يتفق عليها العرب على اختلافاتهم وانقساماتهم، كقضية توحدهم، وتعوض كل زعيم ونظام عربي، بنجاح، يخفف من وطأة الفشل الذي تقع فيه القمة حين لا توحدهم بقية الملفات والأزمات. في قمة الكويت انتصار العرب لفلسطين وقضيتها، التي حازت الجزء الأكبر من خطابات الملوك والرؤساء، والمسؤولين، حيث جاءت القرارات، لتعطي ثمار نجاح الفلسطينيين في تعرية وفضح السياسات العدوانية الإسرائيلية المدعومة من قبل الولايات المتحدة، التي تتبنى المواقف والسياسات والمصالح الإسرائيلية.

سياسياً حصلت فلسطين على دعم شامل وجامع من القمة، نتمنى أن يخلو ذلك من النفاق، وأن يتحول الإجماع العربي إلى فعل سياسي ورسالة قوية حقيقية للولايات المتحدة والمجتمع الدولي، بهدف تخفيف الضغط عن القيادة الفلسطينية، ودعم تمسكها بالثوابت والحقوق الوطنية الفلسطينية حين تعوز الأمة العربية، أسباب الوحدة، والتسامي على الخلافات، يجدونها في القضية الفلسطينية، ولذلك، كانت فلسطين في القمة العربية فوق الخلافات والمناكفات، وكان على العرب أن يؤكدوا التزامهم بالقضية الفلسطينية، عبر تقديم الدعم المالي، وشبكة الأمان، ما سيفقد الولايات المتحدة السلاح الذي تلوح به في الضغط على الموقف الفلسطيني.

اختلف العرب حول سورية، ومقعدها في القمة، واتفقوا على خطورة ظاهرة الإرهاب لكنهم اختلفوا على آليات مجابهتها، وبقيت الخصومات بين عدد من الدول العربية دون أن تنجح الكويت في تحقيق مصالحات بينها، لكنهم اتفقوا حول فلسطين والقدس.

الرافعة الثالثة، تتصل بدور مجلس التعاون الخليجي، الذي يملك الإمكانيات المادية فضلاً عن السياسية، لتمكين مصر، وبلورة دورها القيادي على مستوى المنطقة، وأيضاً لدعم وحماية القضية الفلسطينية، ومساعدة أهلها على الصمود في وجه المخططات الإسرائيلية.

الحديث عن دور لمجلس التعاون الخليجي، فاعل وتاريخي لا يستوي بدون الإقرار بدور قيادي للمملكة العربية السعودية، دور يسند مكانتها المركزية كدولة كبيرة، بدعم خليجي، يرفع من مستوى مسؤولية المملكة إزاء الحقوق العربية ومصالح الأمة وأمنها.

في هذه المرحلة الانتقالية التي تعبرها المنطقة العربية لا يمكن تجاهل أهمية التفاعل القوي بين هذه الروافع الثلاث، الأمر الذي سيردع التطلعات الإسرائيلية التوسعية القائمة على الاعتقاد بأن المنطقة تعاني من حالة فراغ، وبالتالي من حق إسرائيل أن تملأها.