Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

عودة غير محمودة... طلال عوكل

عودة غير محمودة... طلال عوكل

غير مرحب به، يعود وزير الخارجية الأميركية جون كيري إلى المنطقة بعد أسبوع واحد على مغادرتها، فالإسرائيليون يريدون منه أكثر مما يقدم لهم، رغم أن ما يقدمه لهم يعبّر عن انحياز أميركي صارخ، أما الفلسطينيون فإنهم لا يرون في اقتراحاته بشير خير.

 

يعود كيري للمنطقة لكي يسمع رد الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على مبادرته الأمنية الاقتصادية، التي لم تنجح حتى الآن في ردم الهوة بين الطرفين أو تقريب وجهات النظر.

بعد أن أنهى زيارته السابقة، كان كيري قد عبّر عن تفاؤله بإمكانية تحقيق السلام الذي بات بالنسبة له أقرب من أي وقت مضى، ومثله فعل رئيسه باراك أوباما، لكن وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان رد عليه على الفور، حيث نفى أن تكون المفاوضات قد حققت تقدماً، أو أن ثمة إمكانية لتحقيق سلام استراتيجي أو حتى مرحلي مع الفلسطينيين.

ولم يكن ليبرمان وحيداً، فلقد آزره كل من نفتالي بينت، وزميله وزير الدفاع، اللذين أكدا أنه من غير الممكن تحقيق السلام أو التنازل عن أراض للفلسطينيين، وبأن مفتاح الحل يكمن في اعتراف الفلسطينيين ابتداء بيهودية الدولة.

الممارسة العملية على الأرض، تؤكد ما يذهب إليه ليبرمان وزملاؤه، فالاستيطان تتضاعف وتائره بالقياس لما كان عليه في العام الماضي. في الواقع فإن إسرائيل تمارس ابتزازاً مكثفاً على الطرفين الأميركي والفلسطيني، فمن ناحية فرضت إسرائيل أولويتها الأمنية على وزير الخارجية الأميركي، الذي جاء باقتراحات تتصل بمتطلبات إسرائيل الأمنية لاسترضاء حلفائه الإسرائيليين.

ليس هذا وحسب بل أن الموقف الأميركي عموماً شهد تراجعات حادة وجادة إزاء عدد من القضايا الأساسية:

أولاً: جاء التراجع الأساسي على لسان الرئيس باراك أوباما الذي تحدث عن إمكانية إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية، وترك قطاع غزة إلى حين.

والجميع يعلم أن الدولة التي يرى أوباما إمكانية قيامها لن تكون على كامل الأراضي التي احتلتها إسرائيل العام ١٩٦٧، فإذا تم اقتطاع أراضي المستوطنات (سواء في إطار تبادلية أراض أو غير ذلك) والأراضي التي يصادرها جدار الفصل العنصري، بالإضافة إلى ما تنطوي عليه متطلبات إسرائيل الأمنية في منطقة الغور وفي الضفة، فإن هذه الدويلة ستكون بمواصفات إسرائيلية كاملة.

دولة منزوعة السلاح، على جزء من أراضي الضفة، دولة فاقدة السيادة ويقع عليها انتداب أمني إسرائيلي لفترة طويلة، وربما أرادت إسرائيل من الدولة الفلسطينية أيضاً، أن تواصل تعاونها الأمني مع الدولة العبرية.

ثانياً: خضوع الولايات المتحدة للابتزاز ولأولويات الأجندة الإسرائيلية التي تصرّ على أولوية التعاطي مع الملف النووي الإيراني، حتى بعد الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في جنيف بين إيران والدول الست الكبرى. أن مبادرة جون كيري ذات الطابع والأولوية الأمنية بدون ربطها بالقضايا والملفات السياسية، هي استجابة للابتزاز الإسرائيلي، الذي تفوق متطلباته الأمنية، حدود فلسطين.

ويبدو أن كيري يراهن على امكانية تطويع الجانب الفلسطيني، الذي لا يملك خيارات كثيرة، وبالمقابل فإنه لا يمارس اي مستوى من الضغط على اسرائيل لوقف سياساتها الاستفزازية.

ثالثاً: خضوع وزير الخارجية الأميركية للابتزاز الإسرائيلي إزاء استحقاق الإفراج عن الدفعة الثالثة من الأسرى الفلسطينيين، حيث يبدي استعداداً للموافقة على دمجها بالدفعة الرابعة، الأمر الذي يعكس أيضاً، تعاطفاً مع اسرائيل واسترضاءً لها من ناحية، وممارسة المزيد من الضغوط على الفلسطينيين.

وبالإضافة الى ذلك، فإن ثمة شكلاً آخر من أشكال الضغط على الفلسطينيين، حيث يجري الحديث عن إمكانية، او الحاجة لتمديد المفاوضات لتسعة اشهر اخرى، وهو أمر محرج للغاية بالنسبة للقيادة الفلسطينية التي غامرت بالموافقة على استئناف المفاوضات أصلاً، في ظل معارضة واسعة. وبالإضافة الى ذلك أيضاً، فإن الولايات المتحدة تواصل رفع الفيتو، امام اي محاولة من الفلسطينيين، للانضمام للمؤسسات الدولية، أو تفعيل اي ملف في الامم المتحدة، وتعتبر ذلك خطاً احمر.

هكذا تدفع الولايات المتحدة السلطة الفلسطينية في زاوية حرجة جداً، فلا هي قادرة على الانسحاب من المفاوضات، ولا هي قادرة على مواصلتها، ولا قادرة على تفعيل اوراق القوة لديها والتي تتمثل في اتمام المصالحة، والانتقال بملفاتها الى مؤسسات الأمم المتحدة. وفي ضوء كل ذلك تعوز السلطة المبررات المقنعة، لمواصلة المفاوضات العبثية الجارية، التي لم تحرز بعد اكثر من اربعة اشهر اي تقدم، ولا تشير اروقتها الى اية بارقة امل، او تفاؤل.

وبالمناسبة فإن الولايات المتحدة لم تستنفد كل اوراق الضغط على السلطة، حيث بإمكانها ان تمارس الخنق المالي في ظل محدودية الدعم العربي، اما اسرائيل فبإمكانها ان تلعب على ورقة التمثيل الفلسطيني. في ضوء هذا المشهد المتردي والبائس ينبغي على القيادة الفلسطينية ان تأخذ قراراً جريئاً يوازي جرأتها ازاء قرار استئناف المفاوضات فتذهب الى المصالحة، ونحو اعادة تجميع وترتيب اوراق قوتها.

التعليقات