من غير المتوقع أن ينجح الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي سيلتقي كلا من الرئيس محمود عباس، وبنيامين نتنياهو، في واشنطن، في ما لم ينجح في تحقيقه وزير خارجيته جون كيري، الذي لم يدخر جهداً، خلال الأشهر السبعة الماضية.
يعيدنا المشهد إلى المحاولة القوية والجادة التي بذلها الرئيس الديمقراطي السابق بيل كلينتون الذي جمع الرئيس الراحل ياسر عرفات برئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك ايهود باراك، في منتجع كامب ديفيد في تموز العام 2000، وانتهت بانفجار انتفاضة الأقصى وتوسيع دائرة الاشتباك.
في مفاوضات كامب ديفيد 2000، كانت الأمور أقل صعوبة، إذ لم تكن إسرائيل قد راكمت كل هذه الوقائع الاستيطانية والتهويدية الخطيرة، التي أنجزتها منذ ذلك الحين قبل أربعة عشر عاماً، ولم يكن الوضع العربي على درجة من الصراع والضعف والتردي كما هي الحال اليوم، ولا كان الموقف الأميركي على هذا القدر من الانحياز لصالح إسرائيل، كما هو عليه اليوم.
آنذاك، لم تطرح إسرائيل لا قبل المفاوضات، ولا خلالها، شرط اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، فهذا الشرط لم يكن وارداً في الفكر السياسي الإسرائيلي، وقد ورد للمرة الأولى في خطاب الضمانات الأميركية الذي قدمه الرئيس السابق جورج بوش الابن، لشارون العام 2004، إدارة أوباما، وضعت بنفسها حجر الأساس لتدمير كل إمكانية، لتسوية الصراع، حين تبنت مسبقاً، الموقف الإسرائيلي، الذي يرفضه بعض الإسرائيليين، بشأن يهودية الدولة، ولا نظن أن الرئيس أوباما سيبادر إلى إدخال تغييرات في الموقف الأميركي الذي يطرحه كيري، حتى يضفي على الدور الأميركي بعض الحيادية.
ليس لدى الرئيس أوباما سوى محاولة تدوير الزوايا، من خلال تقديم المزيد من الوعود بالمزيد من الدعم والمكافآت للجانب الإسرائيلي بهدف استرضائه، وفي المقابل المزيد من الضغوط والتهديد للجانب الفلسطيني حتى يقبل بالرضوخ، لإملاءات الطرفين الأميركي والإسرائيلي.
أوباما سيفعل ما فعلته المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، التي زارت إسرائيل مؤخراً وبالغت في تقديم الدعم، لإسرائيل، وتجاوزت الإهانة التي تعرض لها، رئيس البرلمان الأوروبي وهو ألماني، حين زار إسرائيل، وماطل الإسرائيليون في استقباله، ثم تطرفوا في إظهار احتجاجهم عليه حين وقف على منصة الكنيست لكي يلقي خطاباً، ما كان ليخرج عن الإطار العام للسياسات الأوروبية.
المعضلة أمام إمكانية نجاح المفاوضات في التوصل إلى تسوية، واضحة، وتتحمل سياسة الإدارة الأميركية التي يقودها الرئيس أوباما المسؤولية عن الفشل، ذلك أنه من المنطقي في مثل حالة الملف الفلسطيني الإسرائيلي، أن يذهب كل طرف في المفاوضات إلى أقصى ما يفكر به من أهداف وشروط.
غير أن التوصل إلى مثل هذا الاستنتاج فلسطينياً، لا يعني بالضرورة، التوجه نحو الاصطدام بالعقبة الأميركية، على الأقل راهناً، خصوصاً وأن الفلسطينيين لم يحضروا أنفسهم لخوض مثل هذه المجابهة، التي تقتضي الكثير الكثير مما لم يقدم عليه الفلسطينيون بعد.
هذا يعني أن على السياسة الفلسطينية أن تركز جهودها المنسقة على نحو منهجي في اتجاه مقاومة الاحتلال، دون إعلانات حرب، ولكن بكثير من الشجاعة وروح المبادرة.
الاحتلال، أخذ يشكو، جراء تزايد حملات المقاطعة الاقتصادية للبضائع، التي تصدرها المستوطنات، والبعض يقدر خسائر إسرائيل جراء استمرار هذه الحملة بثمانية مليارات من الدولارات، إضافة إلى فقدان الكثير من فرص العمل.
اللوبي اليهودي الأميركي أخذ يتحرك منذ بعض الوقت لتحصين الساحة الأميركية من إمكانية وصول رياح المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية والعلمية إلى الولايات المتحدة، أما وزارة الخارجية الإسرائيلية التي يقودها أفيغدور ليبرمان فقد جردت حملة مضادة نجحت نسبياً في الحد من توسع دائرة المقاطعة، لكنها فشلت في وقف هذه الحملة.
ثمة كثير من الشك بأن دول الاتحاد الأوروبي، تتبنى رسمياً، وبقوة، سياسة المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل، إلى الحد الذي ينطوي على خطورة إزاء علاقاتها مع الدولة العبرية غير أن الأمر يخرج عن السيطرة السياسية الرسمية، التي أرادت فقط التلويح لإسرائيل، وليس معاقبتها.
المجتمع المدني الديمقراطي الأوروبي، هو الآن صاحب المبادرة، وبالتالي فإن التحرك المنهجي من قبل الفلسطينيين لتصعيد هذه المقاطعة يفترض أن يستهدف تحريك منظمات ومؤسسات المجتمع المدني الأوروبي التي تتضامن مع الشعب الفلسطيني.
هذه هي ساعة الحقيقة، التي ينبغي على الفلسطينيين التقاطها بقوة، وأن يجندوا كل ما لديهم من إمكانيات، لاستثمارها، وهو الأمر الذي يقف وراء الشكوى الإسرائيلية من التحريض الفلسطيني، على تواضع الدور الفلسطيني العملي في هذا الاتجاه.
إسرائيل لم تستسلم ومن غير المتوقع أن تستسلم أمام حملة المقاطعة، بل هي تمعن في تصعيد هجومها الاحتلالي، على ما تبقى، من حقوق فلسطينية، حيث يبادر أعضاء كنيست من الليكود الذي يقوده نتنياهو، لإصدار قانون، لبسط السيادة والإشراف على المسجد الأقصى.
البرلمان الأردني، قابل المحاولة التشريعية الإسرائيلية، بالتصويت على مشروع قرار صدر بالأغلبية، يطالب الحكومة، بالتنصل من اتفاقية وادي عربة، التي لا تتوقف إسرائيل عن انتهاكها، ويطالب بطرد السفير الإسرائيلي من عمان وسحب السفير الأردني من تل أبيب.
قد لا تلجأ الحكومة الأردنية، إلى المصادقة على القرار وتبنيه، ولكن قرار مجلس النواب الأردني، يشير بالتأكيد إلى موقف الرأي العام الأردني الرافض بقوة لهذه الاتفاقية، وللسياسات الإسرائيلية.
إذا كان قرار مجلس النواب الأردني، مجرد مؤشر على موقف الرأي العام الأردني، فإننا ننتظر أن تتخذ مصر، التوجه ذاته إزاء اتفاقية كامب ديفيد، وأن تتخذ بعض الدول العربية التي تقيم علاقات مع إسرائيل، مواقف مماثلة.
على أن المبادرة مرة أخرى ينبغي أن تنطلق من فلسطين، التي عليها أن تستعيد ذاتها، عبر المصالحة، وتحشيد الجهد في اتجاه تصعيد المقاومة الشعبية، ونحو اتخاذ خطوات في اتجاه مقاطعة البضائع الإسرائيلية، التي تملأ الأسواق الفلسطينية.
إن المقاطعة الاقتصادية للبضائع الإسرائيلية من قبل الفلسطينيين هي جهاد أضعف الإيمان، حتى لو أنها ستؤدي إلى توسيع دائرة نضال الأمعاء الخاوية التي يجيدها الأسرى في سجون الاحتلال، وينبغي أن يستعد لخوضها المواطن الفلسطيني.