Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

نحو خارطة طريق جديدة للعبور.. طلال عوكل

نحو خارطة طريق جديدة للعبور.. طلال عوكل

  مخيبة للآمال كما هو متوقع، المفاوضات، إن كان يجوز تسمية ما جرى مفاوضات غير مباشرة بين وفدين مصغرين، إذ انتهت إلى تأجيل الجولة القادمة حتى الأسبوع الأخير من الشهر القادم. شهر مضى، وآخر سيمضي قبل أن تبدأ مفاوضات على الأرجح عبثية كما كل المفاوضات التي جرت بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ عشرين عاماً.

 

لم يكن مطلوباً من المفاوضات التي جرت أن يعرف كل طرف جدول القضايا التي يطرحها الآخر، فهذا الجدول معروف منذ زمن لدى الناس في الشارع وليس فقط لدى الطرفين المتفاوضين. في هذه المرة يعود الوفد الإسرائيلي لتجزئة الملفات فيتم فصل ملف المعتقلين السياسيين والجثث إلى مفاوضات منفصلة، يجري هذا بعد أن تم فصل القضايا بعضها عن بعض في الجولات الأولى من المفاوضات.

ذريعة الوفد الإسرائيلي كانت الأعياد، لكن هذه الأعياد ليست السبب الأساسي والحقيقي للتأجيل، أما الفلسطيني فلا حول له ولا قوة أو ماذا عليه أن يفعل إزاء هذه المناورات الإسرائيلية؟

منذ البداية أرادت "إسرائيل" تحقيق معادلة تهدئة مقابل تهدئة، وأن تبادر هي من جانب واحد، اتخاذ ما تراه من إجراءات، لتسهيل إعادة الإعمار وتخفيف الحصار، وها هي تحقق ذلك عملياً. ومنذ توقف القتال في السادس والعشرين من الشهر الماضي، ارتكبت "إسرائيل" ستة وعشرين خرقاً لما تم الاتفاق عليه، وعادت لتفرض في البحر حصاراً كما كان الحال قبل الاتفاق.

في الضفة الغربية، وعدا عن ما يتم الإعلان عنه من مخططات استيطانية، ومخططات تهويدية في القدس، وتهديدية للمسجد الأقصى، ثمة كل يوم شهيد وجريح على الأقل. آخر هؤلاء كان تدمير منازل المتهمين بخطف المستوطنين فوق رؤوسهم. هذه الجريمة تتزامن عن قصد مع بدء المفاوضات غير المباشرة، والأقرب إلى الذهن أن هذه الجريمة كانت مجرد رسالة دموية واضحة، للطرف الفلسطيني، وتشكل عنوان السياسة الإسرائيلية القائمة والقادمة للتعامل مع الفلسطينيين.

وعلى خط مواز، ومتزامن أيضاً يهدد وزير الخارجية الأميركية جون كيري السلطة والرئيس محمود عباس، بقطع المساعدات التي تقدمها بلاده للسلطة في حال واصل الرئيس التقدم بمبادرته للأمم المتحدة.

يشير هذا التهديد، إلى أن الولايات المتحدة، لا تزال تقف بقوة خلف السياسة الإسرائيلية، ولكنه يشير أيضاً إلى أن الولايات المتحدة أخذت تتجاهل ملف صراع الشرق الأوسط، لجهة إعطاء الأولوية لمعالجة ملف "داعش" وأخواتها. تفعل الإدارة الأميركية ذلك، وهي تعلم أن مبادرة الرئيس أبو مازن قد أصبحت مبادرة عربية بعد أن تمت المصادقة عليها من قبل اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير في القاهرة. وتفعل ذلك بينما، تتغنى بمشاركة خمس دول عربية في الغارات الجوية ضد "داعش" وأخواتها، ما يعني أنها تتجاهل شركاءها من العرب أيضاً، وربما تطلب منهم الانضمام إليها حين تتخذ خطوة قطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية.

تؤكد الأحداث مرة بعد مئات المرات، أن أصل الأزمة يكمن في سياسة الولايات المتحدة، التي لا تتوقف عن تقديم كل أسباب الدعم والحماية لـ"إسرائيل". غير أن الوجه الآخر للمسؤولين عن الأزمة، يكمن في انقسام وضعف الفلسطينيين وفي تردد العرب، وارتهانهم للسياسات والمصالح الأميركية.

من هنا تبدأ المسؤولية، إذ يترتب على الفلسطينيين أن يبدؤوا من أنفسهم نحو إعادة بناء وصياغة الأوضاع الفلسطينية على نحو مختلف.

لا بد من التخلص من كل الأسباب والنوافذ التي تستخدمها الولايات المتحدة وشركاء "إسرائيل" في الضغط على السياسة الفلسطينية، سواء عبر البحث عن بدائل وهي متوفرة لدى العرب، الذين لن يوفروا الاحتياجات الفلسطينية إلاّ عبر الضغط، أو من خلال التقشف، وإطلاق طاقة الشعب الفلسطيني بأكمله. الآن يجتمع في القاهرة وفدا "حماس" و"فتح"، للبحث في إمكانية دفع المصالحة قدماً، وتجاوز ما كان تم تجاهله خلال الحوارات السابقة. خطأ آخر يتكرر، وهو حصر الحوار الوطني الخاص بالقضية الفلسطينية في حركتي فتح وحماس، وتجاهل الفصائل الأخرى والطاقات الفلسطينية الفاعلة.

مرة أخرى يجري احتكار الوطن والمصالح الوطنية، وينسى هؤلاء أنهم خلال العدوان، كانوا يتغنون بالوحدة الوطنية، وبمشاركة كافة الفصائل كل بما يستطيع. ومرة أخرى يتجاهل هؤلاء الشعب وطاقاته، بعد أن كان خلال العدوان، هو البطل، وهو الذي يحتضن المقاومة، وهو الذي يدفع الثمن غالياً على طول خط الصراع. مع ذلك نرجو أن لا تكون هذه الجولة من الحوار الثنائي مخيبة للآمال كما هو حال المفاوضات غير المباشرة، فالأسئلة المطروحة على جدول الأعمال، تنطوي على تعقيدات وصعوبات هائلة.

الأساس الغائب، الذي يفرض نفسه أولاً هو البرنامج السياسي والخيارات، والاتفاق عليه سيحدد أشكال التعاطي مع بقية القضايا الصعبة. إذا كانت الظروف المحيطة بالقضية، تشير إلى صعوبة الاستمرار في خط وخيار المفاوضات، وإلى صعوبة نجاح المقاومة وحدها في تحقيق إنجازات فإن الخيارات الجديدة ستمكن الأطراف الفلسطينيين من تقديم إجابات سليمة على موضوع وحدة السلاح، وعلى موضوع المقاومة ودورها، وعلاقتها بالأجسام الرسمية.. والاتفاق على البرنامج والتوجهات السياسية والخيارات من شأنه أيضاً أن يسهل كيفية وآليات التعامل مع ملف العلاقة بين غزة والضفة، وملف الوظيفة العمومية، ويؤهل لبناء شراكة حقيقية قائمة على تكامل الأدوار، واستثمار الفارق بين ظروف غزة، وظروف الضفة الغربية.(..).