Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

في مواجهة "الخازوق" الإستراتيجي!؟.. هاني عوكل

في مواجهة

  بشكل تدريجي ومنتظم وعلى وقع الاستيطان الإسرائيلي المتسارع، تسعى دولة الاحتلال الصهيوني إلى تكريس "موال" في رأسها يرغم المجتمع الدولي والفلسطينيين تحديداً على القبول بسياسة الأمر الواقع التي تنتهجها في الأراضي الفلسطينية المحتلة يوماً بعد يوم.

 

لم تكن "إسرائيل" التي هودت وجبة الفلافل والحمص وهودت مقدسات ومقابر القدس وأسماء شوارعها، لتستجيب مع تطلعات الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير حتى على دولة فلسطينية بمساحة هزيلة لا تتجاوز 22% من فلسطين التاريخية، بل كانت على النقيض تماماً من ذلك، ومن أوسلو بالذات كان شغلها الشاغل العمل ضد قيام الدولة الفلسطينية التي تمنى الراحل أبو عمار الإعلان عنها في الرابع من أيار 1999.

ليست مفاجأة أن توافق الحكومة الإسرائيلية على "قانون يهودية الدولة" في هذه المرحلة بالذات، وتحيله إلى "الكنيست" لإجراء التصويت عليه، خصوصاً وأن كل ما قامت به دولة الاحتلال منذ أكثر من مائة عام، يصب في هذا الاتجاه وينسجم مع تطلعاتها العنصرية.

تريد "إسرائيل" من وراء هذا القانون نقل الصراع إلى مستويات خطيرة والإغلاق التام على المفاوضات مع الفلسطينيين، ذلك أنه تناهى إلى وسائل الإعلام أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري يعكف على صياغة مشروع يستهدف عن طريقه إعادة طرفي الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي إلى طاولة المفاوضات.

قد يكون أن دولة الاحتلال أرادت من وراء تصعيدها المدروس ضد الفلسطينيين، إغلاق الباب أمام جهود كيري لإحياء المفاوضات، والرد على الفلسطينيين بقسوة، إزاء توجه هؤلاء إلى مجلس الأمن الدولي لتأمين قيام دولة فلسطينية مستقلة، وفق جدول زمني يقوم على انسحاب "إسرائيل" من حدود 67.

إسرائيل تستعجل الاستيطان وتدق مسامير يهوديتها في الضفة الغربية، انطلاقاً من شعورها العميق بأن الوضع الآني يصب في مصلحتها، لأن المجتمع الدولي أولاً لا يعطي الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ذلك الانتباه الكبير، ويعتقد أن مرض "إيبولا" على سبيل المثال الذي يتدحرج إليه يمثل الخطر الأهم حالياً.

أكثر من بالون اختبار طيّرته دولة الاحتلال في السحاب، لم يستثر أي ردود فعل قوية حول أفعالها، وهي ترى أنها الآمر والناهي في الميدان الفلسطيني، وتتطلع إلى نقل الصراع إلى مراحل أكثر سخونة، طالما وأن المجتمع الدولي لا يحاسبها على عنصريتها.

كثيراً ما حذرت دولة الاحتلال من خطورة توجه الفلسطينيين إلى مجلس الأمن، مفضلةً احتكار الملف الفلسطيني والسيطرة عليه بعيداً عن التدويل، وهي أرادت مواصلة الاستفراد بالشأن الفلسطيني حتى تصول وتجول وتترجم قراراتها على الأرض دون إحداث أي جلبة.

التحذير الإسرائيلي كان قد طال القيادة الفلسطينية وعلى رأسها محمود عباس، وتجاوز ذلك إلى حد القيام بإجراءات أحادية الجانب، وما يجري الآن هو رد إسرائيلي على خطة أبو مازن لإعلان الدولة الفلسطينية، أي أن "إسرائيل" قررت أن تقابل التحرك الفلسطيني في الأمم المتحدة بتحرك إسرائيلي عنيف في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ثمة من سيقول إن "إسرائيل" تواصل شغلها العنصري ضد الجغرافيا والديمغرافيا الفلسطينية، لكن هذه المرة يبدو أنها تحلق في عنصريتها عالياً وبمتوالية هندسية، حتى تقوض تماماً كل الجهود الفلسطينية الحثيثة لقيام الدولة.

والحقيقة أن "إسرائيل" إذا واصلت نهجها بهذه الطريقة الجنونية وفي ظل غياب أي دور للمجتمع الدولي، فإنها تكون بذلك قد قضت على مستقبل شعار حل الدولتين في غضون أعوام قليلة، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر والتصدي لهذه المخططات الجهنمية.

ثم إن "إسرائيل" التي تغنت طوال عمرها الوجودي بأنها دولة ديمقراطية تتبع تقاليد الغرب الفكرية في الليبرالية والعلمانية، هي ليست بعيدة أبداً عن الأنظمة الدكتاتورية الشوفينية، لأنها في الأساس قامت على حساب الشعب الفلسطيني بعد أن سلبته أرضه وحقوقه الوطنية المشروعة، وما زالت تتشبث بهذا المنهاج العقائدي الإقصائي.

ولأنها متعصبة حتى النخاع، فإنها ترفض القبول بدولة فلسطينية تجاورها، وأكثر من ذلك تجسد التمييز العنصري حتى بين أبناء جلدتها من اليهود الشرقيين، وتضع عرب 48 في أسفل سلمها القيمي الاجتماعي، وتعتبرهم أعداء ينبغي اقتلاعهم.

ويأتي موضوع "يهودية الدولة" في هذا الإطار، أولاً من باب الاصطفاف الذي يضع الإسرائيليين جميعاً خلف قيادتهم اليمينية المتطرفة، حتى لو تنوعوا بين الأحزاب اليسارية واليمينية، وثانياً من أجل محاصرة ومحاربة القنبلة الديمغرافية العربية في الداخل الإسرائيلي، وثالثاً لتعجيل توجيه ضربة استباقية للفلسطينيين تكسر آمالهم وحقوقهم العادلة التي كفلتها القوانين الدولية.

سواء وافق "الكنيست" على "يهودية الدولة" أو لم يوافق، فإن "إسرائيل" بالفعل اليومي تفرغ كل همجيتها وعنصريتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حتى أن جدار الفصل أكبر شاهد على نظامها للفصل العنصري، ومع ذلك فإنها تواصل إجرامها وتتخذ يومياً قرارات للضغط على الفلسطينيين والمقدسيين تحديداً.

ولو أن المجتمع الدولي نزيه وصاحب أخلاق وضمير حي، لكان أدان الأفعال الإسرائيلية في مناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يصادف الأحد، وصحح مغالطات الأمم لمتحدة التي أسقطت في العام 1991 القرار 3379 الذي يعتبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري.

من المرجح أن يكتفي هذا المجتمع بصياغة خطب تؤكد على حقوق الشعب الفلسطيني، بينما تشتد الماكينة الإسرائيلية في القضم الاستيطاني وفرض مزيد من القيود على المقدسيين على وقع صراعها الوجودي والديني الذي فرضته على الفلسطينيين.

ومن المرجح أيضاً أن يستكمل طرفا الانقسام الفلسطيني لعبة القط والفأر والمواظبة على البحث في القضايا الهابطة والخلافية، وتجنب القضايا الكبرى المتصلة بتهويد القدس وإضعاف جغرافية الضفة الغربية وبالتالي إضعاف السلطة الفلسطينية.

أخيراً، ينبغي على الرئيس محمود عباس أن يقول : كفى حديثا عن السلام مع إسرائيل، لأنها بحاجة في هذا الوقت بالذات لمواجهة العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم، وإلا سنبقى نجتر مفردات السلام الاستراتيجي ولا نجد في المقابل سوى الخازوق الفعلي الاستراتيجي.