قالها شاعرنا الكبير الراحل محمود درويش، "إن لم تؤمنوا لن تأمنوا" مخاطباً جموع المهاجرين الأجانب والمستوطنين الجدد وقادة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي على أرض فلسطين، قالها بكل وضوح بعد أن سبق وخاطبهم أن "ارحلوا عن بلادنا"..()...
يؤرخ الإسرائيليون أحداث القدس العام 2014، باختطاف المستوطنين الثلاثة وقتلهم، ونؤرخ للقدس بخطف الفتى محمد أبو خضير وحرقه، وها هي تتمدد في صراع مكشوف بين المشروعين: المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي بإجراءات تهويد القدس وأسرلتها، والمشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، ببقاء القدس، عربية فلسطينية إسلامية مسيحية، وعاصمة للروح لكافة المؤمنين، وبوابة لهم نحو السماء، لمن يرغب في التعايش واحترام الآخر والحفاظ على الخصوصية لليهود كما هي للمسلمين والمسيحيين، فالشعب العربي الفلسطيني، يُؤمن بالديانات السماوية الثلاث، وأنها جاءت مكملة لبعضها البعض.
مبادرات معتز حجازي، ومن بعده إبراهيم عكاري، سواء أكانت دوافعها حزبية أم ذاتية، فهي تعبير عن الإحساس بالقلق والخطر، وعدم الرهان على الأدوات الأخرى لتوصيل رسالة فلسطين وشعبها، في أنها لا تقبل الظلم والتبديد وتغيير معالم الأرض ومظاهرها، والشعب وطبيعته، وأن هؤلاء الشباب لن تضيق عليهم فرص الحياة لاستنباط وسائل كفاحية لجعل الاحتلال مكلفاً، على أصحابه.
قد يختلف البعض منا، مع هذا الأسلوب أو ذاك للنضال، وكيفية التصدي للاحتلال ومشاريعه، ولكن مبادرات هؤلاء الشباب دوافعها مفهومة، وحصيلتها التضحية بالذات من أجل قضية شعب يتوسل الحياة والحرية، والحفاظ على ما تبقى له من كرامة بعد احتلال ارضه، وطرد نصف شعبها خارج وطنه. ومع ذلك ما زالت مبادرات المشروع الاستعماري الإسرائيلي متواصلة، على شعب غزة الفقير المحاصر بسلسلة حروب تدميرية لا تتوقف 2008 و2012 و2014، وتهويد القدس وأسرلتها وهدم بيوتها وطرد أهلها، وأسرلة الغور ومنع أهله من العيش فيه وتكبيل حياتهم لترحيلهم، وتمزيق الضفة الفلسطينية إلى شمالية وجنوبية وقطع الصلة بينهما كما هو حاصل مع القدس، ومع قطاع غزة، أي بجعل فلسطين تجمعات محاصرة مقطوعة لا صلة بين أجزائها.
المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، لم يكن شديد الوضوح ببرامجه ومشاريعه ومخططاته كما هو حاصل اليوم، في قطاع غزة، كما هو في القدس، وفي القدس كما هو في الغور، وسائر الضفة الفلسطينية، وليس هذا وحسب، بل ما يفعله في النقب، سبق وفعله في الجليل والمثلث، وها هو يفعل ذلك في مدن الساحل المختلطة، عكا وحيفا ويافا واللد والرملة، في محاولات محمومة لتهويد الأحياء العربية والعمل على أسرلتها.
برنامج الاحتلال واضح، شديد الوضوح، وإجراءاته على الأرض تتكيف مع وضوح برنامجه الإستراتيجي، ولكن برنامجنا الوطني الديمقراطي الفلسطيني، ما زال متلعثماً، متردداً، لا يملك الرؤية المتكاملة، وخطواتنا ما زالت متواضعة، رغم معرفتنا بالحقائق الثلاث التالية:
1 - ضعف إمكاناتنا الذاتية أمام قوة العدو وتفوقه على الأرض وفي الميدان.
2 - ضعف الروافع العربية والإسلامية والمسيحية الداعمة لعدالة القضية الفلسطينية ومشروعية نضالها في مواجهة قوة الطوائف اليهودية المتنفذة ودعمها للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي.
3 - عدم توفر مظلة مساندة للشعب الفلسطيني ولمنظمة التحرير وسلطتها الوطنية، كما هي الولايات المتحدة لإسرائيل، فالشعب الفلسطيني، ما زال أسيراً للعوامل الثلاثة التي تتحكم بحياته وتحركاته، وهي: الاحتلال والانقسام وحاجته المالية من تبرعات الدول المانحة، ولكنه يملك الحق والعدالة وروحه الوثابة التي لا تعرف الإحباط والهزيمة، يُجسدها شباب يتمسك بحقوقه وتطلعات مشروعة لشعبه، نحو العودة والحرية.