في 28 آذار 2002، أقرت القمة العربية في بيروت مبادرة السلام العربية، بما حوت من استعداد لممارسة الاعتراف بالمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، والإقرار بوجوده والتعامل معه على قاعدة حُسن الجوار، وهي مبادرة غير مسبوقة من قبل النظام العربي، نحو المشروع الصهيوني
مقابل الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية المحتلة العام 1967، وفتح صفحة جديدة في العلاقات العربية الإسرائيلية، وهذا يعني معاملة المشروع الصهيوني أسوة في العلاقة العربية مع تركيا وإيران وأثيوبيا، كدول مجاورة، ذلك مع ما كان العام 2002، من قبل إجماع النظام العربي، فماذا كان ردّ شارون رئيس حكومة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلية آنذاك على المبادرة العربية؟؟ كان رده بخطوتين:
الأولى: إعادة احتلال المدن الفلسطينية التي سبق وانحسر عنها الاحتلال بفعل اتفاق أوسلو التدريجي متعدد المراحل العام 1993 وأعاد احتلالها بعد يومين فقط من إعلان المبادرة العربية، وقام جيش الاحتلال بتطويق مقر الرئيس الفلسطيني وحصاره في رام الله، ومنعه من السفر أو التحرك تمهيداً «لمساعدة الله على التعجيل بإزاحته» كما وعد شارون الرئيس الأميركي بوش، وهذا ما حصل حيث تم اغتيال أبو عمار وتصفيته بالسم أو بالأشعة.
ثانياً: وضع أربع عشرة نقطة اعتراضية من قبل شارون على نصّ المبادرة العربية وقدّمها للرئيس بوش في نيسان 2004، وباعتراضه على مضمونها يكون قد تم تفريغها من محتواها، ليصبح الاعتراف بالمشروع الاستعماري الإسرائيلي حاصلاً، بدون تقديمه أي مقابل من حقوق الشعب العربي الفلسطينية الثلاثة: 1- حق المساواة في مناطق 48، 2- حق الاستقلال لمناطق 67، 3- حق العودة للاجئين مع استعادة ممتلكاتهم من القرى والمدن التي طردوا منها العام 1948، أو الانسحاب من الجولان السوري وجنوب لبنان، وها هي القمم العربية تؤكد المبادرة العربية، وآخرها قمة القاهرة في آذار 2015، رغم نتائج الانتخابات الإسرائيلية يوم 17 آذار التي أفرزت سياسة نتنياهو التي لم تستطع حتى الإدارة الأميركية استيعابها والدفاع عنها، بل تناولتها بالنقد ومن قبل أعلى سلطة، من قبل الرئيس أوباما شخصياً حين تناول مسألتين في تصريحاته ومقابلاته الصحافية: الأولى ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لمناطق 67، والثانية رفض التمييز والعنصرية ضد الفلسطينيين العرب في مناطق 48.
لم يتجاوب قادة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي مع المبادرة العربية، ولم يتعاملوا معها، ولم يقروا بالمعادلة التبادلية القائمة على أساسها وفق الانسحاب مقابل الاعتراف، أو الأرض مقابل السلام، وبدلاً من ذلك عملوا على جلب التطبيع باعتباره أساس الحل بدون تقديم الثمن، وبات شعارهم السلام مقابل السلام هو أساس التحرك، بمعنى إعطاء السلام والأمن من قبل الإسرائيليين لأطراف النظام العربي، مقابل حصول المشروع الصهيوني على السلام والتطبيع معه بدون أي تراجع من جانبه عن الأرض، وخلاصة ذلك أن قادة المشروع الصهيوني لم يتجاوبوا مع المبادرة العربية، ولن يتجاوبوا من بعد، لأنهم ينظرون إلى حالة التمزق والاقتتال البيني داخل النظام العربي باعتباره سلاحاً منعشاً لمشروعهم الاستعماري وحماية له من أي تطلعات استقلالية، وإضعافاً لأي محاولات عربية في امتلاك القوة، بل هو تدمير لقدرات الجيوش العربية وأنظمتها الحاكمة، وانحسار دورها على المستوى الإقليمي والدولي، وخاصة من قبل سورية والعراق واليمن والسعودية ومصر والسودان، وحتى الجزائر والمغرب، مقارنة مع دول المنطقة إيران وتركيا وأثيوبيا وباكستان، وهذا كله يصب لمصلحة المشروع الاستعماري الإسرائيلي العدو الوطني والقومي والديني والإنساني للعرب والمسلمين والمسيحيين.
السؤال لماذا لم ينفعل العرب ولم يتراجعوا عن سياساتهم المهادنة للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، رغم عدم تجاوب تل أبيب مع مبادرتهم للسلام، ولا زالوا يتعاملون معه من موقع المهادنة وطول البال، والتوسّل نحو نسج العلاقات معه على الأقل اتقاءً لشره، بدون أي حسّ بالمسؤولية أو الكرامة أو حفظ المصالح الوطنية والقومية والدينية وفي مواجهة مشروعه الاستعماري التوسعي!!.