واضح جداً بأن محركات صنع القرار والسياسية الإسرائيلية التي كانت تستند إلى الأمن ثم الأمن، لم تعد سوى واحد من محركات صنع القرار والسياسة الإسرائيلية، حيث يشهد "المجتمع الإسرائيلي" حالة كبيرة من الإزحات نحو اليمين الديني والقومي والتطرف والعنصرية، وحالة التطرف والعنصرية هذا،
لها مواقع نافذة ومؤثرة في مراكز صنع القرار الإسرائيلي السياسي والأمني والعسكري والديني (نتنياهو، نفتالي بينت، أوري أريئيل، ليبرمان، يتسحاق اهرونوفيتش، يعالون، فيجلين، ميري رغيف واريه الداد وغيرهم من المتطرفين والمتعصبين)، وقوس المروحة يتسع للمزيد من العنصرين والمتطرفين الصهاينة، حتى "وزيرة العدل" الصهيوني "تسفي ليفني"، التي تشرف على المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، والتي تسوق نفسها على أنها "حمامة سلام"، هي من بادرت إلى طرح قانون لتشديد العقوبات بحق راشقي الحجارة من المقدسيين، لتصل إلى عشرين عاماً، وكذلك نحن شهدنا حالة من التهديدات الإسرائيلية على لسان "وزير الإسكان" الإسرائيلي "اوري اريئيل" للأردن، على خلفية موقفها من قضية المسجد الأقصى والإستيطان والممارسات والإجراءات الإسرائيلية في القدس، حيث دعى الأردن لعدم التدخل في شؤون "إسرائيل" الداخلية، وبأن القدس ستبقى تحت "السيادة الإسرائيلية" للأبد، وذكّرهم بحرب الأيام الستة و"مساعدة" "إسرائيل" للأردن.
حسم حالة الصراع بين أصحاب نظرية الأمن وأصحاب نظرية التوسع والإستيطان، رهن بالحالتين الفلسطينية والعربية والوضع الدولي، فأصحاب نظرية الإستيطان والتوسع والسيطرة على الأقصى والقدس والضفة الغربية، باتوا مدركين ومقتنعين بأن هناك ظروف تهيأت لهم من أجل تطبيق مخططاتهم، بإنهاء القضية الفلسطينية، فهم على قناعة تامة بأنهم الآن قادرين على الإحتفاظ بالأمن و"السلام" والإستيطان معاً، وغير مستعدين لدفع أثمان مقابل ذلك، فالحالة الفلسطينية، ليس فقط منقسمة على ذاتها، بل تزداد ضعفاً على ضعف، والحالة العربية، صراعات وحروب مذهبية وطائفية، تشظي وتذرير وتقسيم، وبعض البلدان العربية، (...)، لم تعد ترى في "إسرائيل" عدواً، أو أن الخطر يتهدد عروشها منها، بل هي مستعدة للتحالف مع "إسرائيل" والتنسيق الأمني والعسكري معها، للدفاع عن وجودها ومصالحها أمام ما يسمى بالخطر الإيراني، وهذا ظهر جلياً في الحرب العدوانية التي شنتها "إسرائيل" على قطاع غزة في تموز الماضي، والحالة الدولية مشتبكة في أكثر من مكان (أوكرانيا، إيران، العراق، سوريا، اليمن، مصر وغيرها)، وهي أعجز من أن تفرض حلاً سياسياً على "إسرائيل".
إن حسم الصراع وحدوث حالة الإنقلاب في المجتمع الإسرائيلي لصالح أصحاب نظرية الإستيطان والتوسع، يعني بأن القضية الفلسطينية والمشروع الوطني سيكونان في خطر جدي وحقيقي، فأصحاب النظرية سيعملون على على تكثيف الإستيطان في الضفة الغربية، وكذلك يريدون السيطرة بشكل نهائي على مدينة القدس، ومنطقة غور الأردن، وهم يستخدمون تارة عدم سيطرة الرئيس عباس على قطاع غزة، والآن الخوف من سيطرة تنظيم "داعش" على أي دولة فلسطينية قادمة، وبذلك يستمرون في المناورة وكسب الوقت، لكي يستكملوا مشاريعهم في القدس والضفة الغربية، وفي حالة سمحت الحالة العربية والدولية لهم، بتحقيق هذا الهدف، فإن أصحاب نظرية أمن الأردن من "أمن إسرائيل" من الطرف الإسرائيلي سيهزمون، وبالتالي يصبح المطلوب نشر الفوضى في الأردن، وليس حالة الإستقرار المطلوب، وذلك من أجل أن تكون الأردن وطن للفلسطينيين، مشروع الوطن البديل، وهذا يمكن تحقيقه من خلال "داعش"، ولذلك وجدنا أن الملك الأردني عبدالله الثاني في خطاب العرش أمام مجلس الأمة، قال كرأس السلطة التنفيذية في المملكة الأردنية إن "من واجبنا الديني والإنساني أن نتصدى بكل حزم وقوة لكل من يحاول إشعال الحروب الطائفية أو المذهبية وتشويه صورة الإسلام والمسلمين، ولذلك، فالحرب على هذه التنظيمات الإرهابية وعلى هذا الفكر المتطرف هي حربنا، فنحن مستهدفون، ولابد لنا من الدفاع عن أنفسنا وعن الإسلام وقيم التسامح والاعتدال ومحاربة التطرف والإرهاب، وإن كل من يؤيد هذا الفكر التكفيري المتطرف أو يحاول تبريره هو عدو للإسلام وعدوٌ للوطن وكل القيم الإنسانية النبيلة". واضح مدى الخطر الذي يستشعره الملك على الأردن، ليس فقط من "داعش"، بل ما يترتب على نشر الفوضى في الأردن، ومن الذي يستفيد من نشر حالة الفوضى تلك؟!
أصحاب نظرية التوسع والإستيطان، يتقدمون، وواضح بأن عملية حسم هوية الدولة، دولة علمانية أو دينية، وصلت مرحلة الذروة، ومن خلال سعار وإستكلاب اليمين الصهيوني في حربه على الأقصى والقدس.
نرى بأن الحسم لصالح الطرف القائل بيهودية ودينية الدولة يقترب بشكل كبير، فالمخاطر الخارجية على الدولة والمجتمع الإسرائيلي تتراجع، وبما يعزز من رفع وتيرة التناقضات والصراعات الداخلية حول هوية الدولة، ويرافق ذلك عمل جدي على أكثر من جبهة لهذه الغاية والهدف من أجل التحقيق والتطبيق، ضرب جيوش الدول العربية المركزية، وتحويل بلدانها لدول فاشلة، العراق الهدف تحقق، وسوريا ومصر جار العمل على تحقيقه.
فلسطين والأردن في قلب العاصفة، وفي دائرة الإستهداف المباشر، و"إسرائيل" توظف كل المتغيرات والتطورات العربية والإقليمية والدولية لصالحها، وتتحيّن الفرصة للإخراج والتطبيق، تهديات اوري اريئيل للأردن يجب أن تحمل على محمل الجد، وما يجري في القدس والأقصى أكثر من خطير، وإقرار قانون تشديد العقوبات على راشقي الجارة المقدسيين، والقول بأن "إسرائيل" من حقها البناء في "عاصمة" دولتها، وبأن القدس ستبقى تحت "سيادتها" الأبدية ولن تقسم.. مؤشرات على مدى الخطرالقادم، بحق فلسطين والأردن، ولذلك يجب أن يكون هناك موقف فلسطيني- أردني مشترك حيال التطورات الحاصلة، وعلى الرئيس الفلسطيني، أن يعي جيداً بأن دعوة نتنياهو للتهدئة في القدس، هي فقط تأتي ليس من باب إيمانه وقناعته بذلك، بل هو يتأخر نصف خطوة للوراء تحت ضغوط شبان الإنتفاضة المقدسيين والمجتمع الدولي، لكي يتحين الفرصة للتقدم خطوتين والإجهاز على الحلم الفلسطيني..!!