لثلاثون من تشرين ثاني/2013 كان يوم غضب فلسطيني شامل ويوم أرض جديد، مظاهرات وإحتجاجات على طول إمتداد مساحة جغرافيا فلسطين التاريخية، في حيفا، في حورة النقب، في القدس، في الضفة الغربية، في قطاع غزة ومخيمات اللجوء، ولربما يشكل هذا اليوم نقطة تحول في تاريخ الشعب الفلسطيني، الشعب الفلسطيني على طول وعرض مساحة فلسطين التاريخية، خرج للتصدي لمشروع "برافر" لتهويد النقب،
وإقتلاع وتهجير سكانه العرب، وقد تميز هذا اليوم بحضور عال وكثيف للفئات الشابة من المجتمع الفلسطيني، والتي شكلت رأس الحربة في التصدي لقوات الإحتلال وشرطته واجهزة مخابراته، وهي من قادت الشارع عن جدارة وإستحقاق، نافية مقولات قادة الحركة الصهيونية، بأن كبارنا سيموتون وصغارنا سينسون.
نعم حشود بشرية خرجت للدفاع عن عروبة النقب، حيث الطرد يتهدد اكثر من أربعين الف فلسطيني، وهدم 38 قرية فلسطينية، البعض منها موجود قبل إقامة اسرائيل، والإستيلاء على ما مساحته (800000) دونم من اراضي شعبنا هناك، وحصر شعبنا فيما مساحته لا تزيد عن 1% من أراضيهم، فمنذ الغزوة الصهيونية الأولى لفلسطين واقامة اول مستوطنة على أرضها "زخرون يعقوبي" جنوب حيفا على أراضي قرية زمارين، والصراع معه محتدم على الأرض باعتبارها جوهر الصراع، سعت اسرائيل الى إحتلال شعبنا وإقتلاعه وإحلال المستوطنين مكانه، فكانت نكبة عام 1948، حيث شرد اكثر من 800000 فلسطيني طردوا هجروا قسراً عن أرضهم، بفعل ما ارتكبته المنظمات الصهيونية بحقهم من جرائم ومذابح، ودمرت اكثر من 531 قرية فلسطينية، ومنذ تلك النكبة وهي متواصلة وبأشكال مختلفة، حيث جرى ويجري طرد وترحيل وتهجير شعبنا الفلسطيني، عبر سنّ الكثير من القوانين والتشريعات الصهيونية العنصرية، التي تستهدف وجوده وأرضه وكل مكونات هذا الوجود من هوية وتاريخ وتراث وثقافة...الخ، وقد سعى الإحتلال لكي يهود منطقة الجليل للقضاء على الأغلبية الفلسطينية فيه، عبر مصادرة 21 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية، ضمن ما عرف بسياسة "تطويرالجليل" اي تهويد الجليل، وما عرف بمشروع العنصري "أريه كنج"، فكانت انتفاضة يوم الأرض الخالد في الثلاثين من آذار /1976، والتي سقط فيها ستة شهداء من ابناء شعبنا ومئات الجرحى، بمثابة رسالة لاسرائيل، بأن شعبنا لن يخضع للترهيب والقمع والتنكيل، وسيدافع عن ارضه وعن وجوده وبقاءه عليها.
ومنذ ذلك التاريخ، وشعبنا يجترح المعجزات والتضحيات في الدفاع عن أرضه عبر صراع وجودي مع الإحتلال، الذي سعى بكل السبل والوسائل من اجل إقتلاعه بالطرق المشروعة وغير المشروعة، فهو نظر لشعبنا بأنه بمثابة السرطان الذي يجب إقتلاعه، والتطهير العرقي والطرد والإقتلاع، لم يكن مقتصراً على شعبنا في الجذر الفلسطيني، بل كان يطال القدس بشكل خاص، ولم تكن الضفة الغربية بمعزل عن التهويد.... والإحتلال نظر للنقب كمنطقة استراتيجية، وتشكل أكثر من 50% من مساحة فلسطين، وبالتالي سيطرة العرب عليها، سيشكل خطراً ديمغرافيا على اسرائيل، فسعى الى حصر سكان النقب وبئر السبع في تجمعات محددة، للحد من سيطرتهم على الأرض، ارضهم التي اعتبرها العدو أراضي دولة.
واليوم رداً على هذا المشروع التهجيري، إنتفضت جماهير شعبنا في كل فلسطين التاريخية، وقالت بأن مشروع "برافر" لن يمر ولن تكون هناك نكبة ثانية لهذا الشعب، عشرات المعتقلين ومئات المصابين في هذا اليوم، والقدس كانت حاضرة في هذا اليوم.
ما جرى من مسيرات ومظاهرات إحتجاجية في يوم الغضب الفلسطيني، سيشكل علامة فارقة في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني، وهي رسالة الى كل المستعمرين الصهاينة، بأن ارض آباءنا واجدادنا لن تكون غير عربية، وهي ليست كما يدعي ويقول المستعمر العنصري ليبرمان وزير خارجية دولة الإحتلال القادم من روسيا، ليقول لنا بأن ما جرى هو تعدي على اراضي دولة اسرائيل، فسكان النقب العرب موجودين فيها قبل قيام دولة الإحتلال.
ومن هنا نلاحظ إرتفاع في منسوب العمل الكفاحي والجماهيري واتساعه وشموله، من قبل جماهير شعبنا الفلسطيني، وتشكيل الشباب العنصر الهام والأساسي فيه، وكذلك في ظل فشل مشروع المفاوضات والتسوية، المتواصلة منذ ما يقرب عشرين عاماً، حيث ان هذا المارثون التفاوضي، يثبت كل يوم بأن هذا الخيار والنهج، لن يحقق الحد الأدنى من حقوقنا المشروعة بدولة فلسطينية على 22% من مساحة فلسطين التاريخية، بل الإحتلال يستغل تلك المفاوضات من اجل فرض وقائع وحقائق جديدة، لجهة زيادة وتكثيف الإستيطان بأرقام قياسية مع استمرار المفاوضات، وتشريع بنائها وإقامتها في ظل معادلة جديدة خلقها الإحتلال، هي ربط إطلاق سراح الأسرى القدماء، بإطلاق يد الإستيطان في القدس والضفة الغربية، فمع كل دفعة اسرى يفرج عنها، يعلن عن مشاريع وعطاءات لبناء مئات الوحدات الإستيطانية.
واضح جداً عقم وعبثية هذا الخيار، حتى الفريق الفلسطيني المفاوض، إستقال ليؤكد بأن الإحتلال يريد مواصلة نهج التفاوض مع استمرار مشاريعه الإستيطانية على الأرض، ولا يريد أي نقاش لحدود الدولة الفلسطينية، بل ما يحدد ذلك هو إحتياجاته الأمنية، والسلطة الفلسطينية، في قمة هرمها القيادي تدرك بأن هذا الخيار، لن ينتج عنه أي شيء، سوى عملية تحرير بقية الأسرى القدماء، وحتى هذه القضية، انا على قناعة بأن الإحتلال، وتحديداً فيما يتعلق بأسرى القدس والداخل، سيحاول إفتعال ازمة لكي يتهرب منها.
ولذلك أرى بأن مخطط برافر الإقتلاعي والتهجيري بحق شعبنا العربي الفلسطيني في النقب، وكذلك فشل نهج وخيار المفاوضات العبثية، سيتولد عنهما المزيد من الإحتقان والغضب عند جماهير شعبنا، والذي سيترجم الى فعل إنتفاضي على الأرض، وهذه التحركات الجماهيرية، في الجذر الفلسطيني والضفة الغربية والقدس، والتي تتصاعد فيها بشكل لافت الفعاليات الجماهيرية من مسيرات وإعتصامات ومظاهرات وهدم لمقاطع من جدار الفصل العنصري، مؤشر على ان ما يجري هو تعبير عن بروفات إنتفاضة شعبية، ستكون اكثر شمولية واتساعاً وستتوحد فيها كل فئات شعبنا في الجليل والمثلث والنقب والقدس وباقي الضفة الغربية وقطاع غزة، والمتغير النوعي في هذه الإنتفاضة، هو قيادة الشباب لها، بعيداً عن سيطرة قيادات تقليدية او فئات تخاف على مصالحها ومشاريعها الإستثمارية، والتي يحلو لها تغليفها بمصالح الشعب الفلسطيني.