دون مجاملات، ودون تفسيرات زائفة، فإن القدس التي هي جزء من عقيدتنا الإسلامية بصفتها القبلة الأولى، وبصفتها موقع الإسراء والمعراج، وبصفتها حاضنة المسجد الأقصى، وبصفتها أحد أبرز عناوين الصراع الحضاري بينا وبين أعدائنا،
هي اليوم في ذروة الصراع والاشتباك، صراع الحياة أو الموت، وهي في هذا الصراع والاشتباك وحيدة، وحيدة تماماً، وأنها بإستثناء أهلها وشعبها الفلسطيني لا تلقى من النظام الإقليمي العربي ولا من منظمة العمل الإسلامي بكل دولها الحد الأدنى للحد الأدنى من الدعم والاهتمام والجهد، وأن مخطط التهويد والأسرلة الذي يستهدف القدس على يد "إسرائيل" وحلفائها يندفع بقوة هذه الأيام في سباق خطير جداً مع الزمن، لأن أعداءنا الذين هم أعداء القدس والطامعين فيها يقرأون الخارطة ويساهمون في صنعها وإبقائها على حالها أو جعلها أكثر سوًءا لكي يجهزوا على القدس ولكي يلحقوا الهزيمة بهدة الأمة العربية الإسلامية في روحها، وعقيدتها وميراثها الحضاري، ويأخذون منها جوهرتها ولؤلؤة عصورها، ويتركونها هكذا مثل أقفاص فارغة بلا قلب ولا روح.
ودون شك، فإن فصائل الإسلام السياسي جميعها بلا استثناء متواطئة ضد القدس في الماضي وفي الوقت الحاضر، لأن فصائل الإسلام السياسي تذهب برضى وطيب خاطر إلى المعارك الأصعب والأكثر خسارة وبشاعة مثلما يريدها الآخرون أن تفعل، ولكنها لا تفعل للقدس شيئاً على الإطلاق، ومهما كان المطلوب سهلاً أو بسيطاً، وأن المعارك التي تنخرط فيها فصائل الإسلام السياسي ابتداءً من جماعة الاخوان المسلمين وتنظيمها الدولي، وصولاً إلى "داعش" التي تستقطب الآن كل الدعاية والاهتمام، وبقية التكوينات السياسية الإسلامية الأخرى من أطراف الجزائر إلى الكويت، ومن إيران والعراق إلى نيجيريا، بكل أسمائها ومسمياتها، غارقة الآن في معارك وأجندات لا تنتمي إلى القدس بأي صلة، بل هي عبء على القدس، وخيانة لها، وتفريط بها، وتقاعس بشأنها يصل إلى حد العار والجريمة.
"إسرائيل" تقرأ المشهد، وتشارك في صنعه على نحو ما، وحلفاء "إسرائيل" الذين يريدون خارطة الشرق الأوسط الجديد تحت قيادة "إسرائيل" ويقرأون المشهد ويساهمون في صناعته، ويتيحون لـ"إسرائيل" من خلال مفردات احتلالها الغاشم أن تنجز مشروعها في التهام القدس، و"إسرائيل" تسير بخطوات لا يعترضها أحد، تقضم ثم تهضم وهكذا في طريق متسارع والقدس تصارع وتشتبك بكل ما أوتيت من قوة ولكن لا يصل إليها أي مدد على الإطلاق في معركة الحياة والموت.
من أجل القدس، يجب أن نخرج فلسطينياً من الحالة البائسة التي وصلنا إليها، ومن الحفرة التي وقعنا فيها بعيون مفتوحة، وهي حالة الانقسام وحفرة الانقسام، لأن جميع الأطراف على الصعيد الإسرائيلي وغير الإسرائيلي تعفي نفسها من المسؤولية من خلال توجيه التهمة إلى وضعنا الفلسطيني الشاذ، وضع الانقسام، الذي كلما تقدمنا خطوة عدنا للتدهور ثم التباحث والحوار والتفاوض من جديد وكأننا عاجزون عن مغادرة نقطة الصفر، و"إسرائيل" لا تريدنا أن نتفرغ للقدس، ولا تريدنا أن نصل إلى حالة من الجاهزية لحماية القدس، فهى تدفعنا إلى معارك طاحنة أخرى ليست مثل الحرب المدمرة في غزة التي يجب أن نتوحد لكي نمحوا آثارها، والعلامات كلها هشة بما فيها حوارات الأربعاء والخميس التي جرت في القاهرة مؤخراً، فما زالت الصيغ مائعة والالتزامات ليست واضحة والحفر تملأ الطريق، فكيف نساعد القدس ونحن لا نتفق على شيء، وإذا اتفقنا لا نخلص في تنفيذ اتفاقاتنا، ونبتز بعضنا بينما الاحتلال الإسرائيلي يتقدم في مشروعه الشامل؟ وكيف نستطيع أن نستفز العالم العربي والإسلامي إيجابياً للالتفات إلى معركة القدس ونحن مازلنا نتربص بوحدتنا؟
القدس في ذروة اشتباكها وحيدة، تحتاج إلى كل شي ولكن أمتها هاربة إلى أي شي ماعداها، وليس ثمة من أمل سوى أن يتقدم الفلسطينيون الصفوف، لصياغة حالة جديدة، سقف سياسي يحتشدون تحته، وهدف وطني ينتمون إليه لكي يساعدوا القدس التي هي الآن في ذروة الاشتباك.