في فجر اليوم المقرر لاستئناف المفاوضات غير المباشرة, بين وفد فلسطيني موحد ووفد إسرائيلي بوساطة مصرية، قامت "إسرائيل" عبر وحدة من (الشاباك) ومشاركة الجيش، باغتيال الشابين مروان القواسمي وعامر أبو عيشة، وهما من أبناء مدينة الخليل وأعضاء في حركة حماس (المتهمين) بخطف وقتل المستوطنين الإسرائيليين الثلاثة في الثاني عشر من حزيران الماضي،
وتحت ذريعة تلك العملية التي لم تكشف أسرارها بعد، اجتاح الجيش الإسرائيلي الضفة الغربية والقدس بحثاً عن المخطوفين قبل إعلان العثور على جثثهم في حقل قريب من نقطة اختطافهم ثم انتقل الاجتياح والمداهمات والاعتقالات إلى عدوان تدميري رهيب ضد قطاع غزة استمر واحداً وخمسين يوماً، وتوقف قبل شهر بعد نتائج كارثية بالمعنى الحقيقي على مستوى الشهداء والمصابين حيث وصل الرقم الى قرابة أربعة عشر الف شهيد وجريح، وتدمير عشرات الآلاف من الوحدات السكنية والمراكز الحكومية والخاصة، والمدارس والجامعات والمصانع والمساجد والكنائس أيضا، بحيث تحول قطاع غزة إلى أكوام هائلة من الركام.
باغتيال الشابين مروان القواسمي وعامر أبو عيشة، فإن عملية الخطف التي كانت ذريعة الحرب دخلت في طور جديد من الغموض، نحن أصلاً في زمن الغموض على المستوى الإقليمي والدولي، والسؤال الأبرز، لماذا لم تكتف "إسرائيل" باعتقال الشابين مروان وعامر، على الأقل لتعرف منهما الحقيقة، وتفاصيل ماجرى، لماذا اغتيالهما على هذا النحو، ولماذا هذا التوقيت على وجه التحديد، وهل "إسرائيل" لا تزال تعزف على وتر إفشال المفاوضات، وإثارة التوتر الداخلي الفلسطيني للإجهاز على ما تبقى من رمق للمصالحة وحكومة التوافق.
أعتقد أن "إسرائيل" التي أفشلت المفاوضات السياسية التي كانت ترعاها الولايات المتحدة، لا تريد مفاوضات جادة ترعاها الشقيقة مصر على خلفية العدوان الأخير, بل ان "إسرائيل" تريد استفزاز الوفد الفلسطيني لإفشال المفاوضات، وخاصة في هذه اللحظات، لأنه ليس أمام الوفد الإسرائيلي سوى يوم واحد «الثلاثاء» قبل الاستعداد للأعياد اليهودية، وكان المفروض في هذا اليوم الواحد أن يتم الاتفاق على جدول المفاوضات بعد انقضاء الأعياد اليهودية وعيد الأضحى المبارك، والمفروض أن يبقى وفد فتح وحماس ليومين آخرين الأربعاء والخميس من أجل تثبيت المصالحة وحكومة التوافق الوطني التي تواجه تحديات وأخطاراً كبيرة.
في مواجهة هذا المأزق الذي تصنعه "إسرائيل" بإحكام، وفي التوقيت الحرج، يجب أن ينتصر الوعي الفلسطيني، ويجب أن تنتصر الإرادة الفلسطينية، وهذا اختبار كبير ونوعي، فنحن نواجه أوضاعا جديدة وغير مسبوقة في المنطقة، حيث الأولويات والاحلاف ضد داعش وضد الإرهاب تبتعد كثيراً عن مركزية القضية الفلسطينية، وليس لنا من خشبة خلاص سوى وحدتنا الفلسطينية كحقيقة نهائية، وليس من خلال المناورات (..) التي نراها كل مرة والتي تجعل المصالحة الفلسطينية على كف عفريت. كما أننا أمام أولوية طارئة جدا، وهي إعمار قطاع غزة الذي تركه العدوان الإسرائيلي في حالة بائسة يرثى لها، وكيف تصرف بشكل عميق وصادق وشريف لكي تتحقق إعادة الإعمار فعلاً، ولا نضيع الفرصة في أوهام ما أنزل الله بها من سلطان، وفي مناكفات لا طائل من ورائها، لأنه إذا لم نقدم صورة عالية للتعاون، وتعزيز حكومة التوافق بكل صلاحياتها، وحضور السلطة بكل ثقة على المعابر، والتعاون الوثيق مع الأمم المتحدة، ومراقبيها الذين قد يصل عددهم خمسمائة مراقب، فإن المانحين في مؤتمر إعادة الأعمار في الثاني عشر من الشهر المقبل، سيعودون من حيث أتوا دون دفع قرش واحد، والمعايير نفسها ستنطبق على أشقائنا العرب وخاصة أنهم منهمكون في حلف لا يعرفون هم انفسهم الى أين سيأخذهم وكيف ستكون نهايته!.
المصالحة والوحدة وحكومة التوافق، هي خشبة النجاة الوحيدة التي نملكها وسط هذا المعمعان الدولي والاقليمي، وخاصة أن الرئيس أبو مازن يواصل جهده (..) من أجل استمالة العالم وقواه الرئيسية إلى مشروعه بانهاء الاحتلال، والاتفاق على سقف زمني محدد لإنهاء هذا الاحتلال، وفرصتنا الوحيدة أن تكون مصالحتنا هي قاعدة الانطلاق، وعنصر القوة، بدل أن يعود الانقسام فيكون بالنسبة لنا عاراً، ونقطة ضعف، ومحل اتهام كما حدث في السنوات السبع الماضية.
"إسرائيل" اغتالت الحقيقة حين اغتالت القواسمي وأبو عيشة، ربما لو ظلاً على قيد الحياة لقالا لنا وللعالم أن عملية خطف المستوطنين الثلاثة وقتلهم لا علاقة لها بالرواية الإسرائيلية المعلنة، فإن إعدام الشابين مروان وعامر كانت بمثابة اغتيال للحقيقة.