الأصل في أي إنجاز مهما كان صغيراً أو كبيراً؛ أن يُبنى عليه للتقدم والتطور وتحسين ظروف الحياة على مختلف المستويات؛ وهو ما حصل من نصر غزة والذي أقر به كتاب ومحللو دولة الاحتلال أنفسهم، وما يقوله كل عاقل ومنصف، وما حصل حقيقة على أرض الواقع، وهو ما قلب كل التوقعات، وكان بحق إنجازاً ونصراً تاريخياً لا مثيل له؛ يبنى عليه على الدوام.
تأمل معي قول الكاتبة "سارة فلاوندرز" في صحيفة "ووركز وورلد" الأمريكية بأن فشل (إسرائيل) في نزع سلاح المقاومة أو هزيمتها في غزة، هو "انتصار سياسي تاريخي" للفلسطينيين.
من غير المقبول والمعقول التشويش على انتصار غزة وتعويق عملية الإعمار والبناء؛ فبدلاً من البناء على إنجازات ملحمة العز والكرامة والنصر؛ انبرى البعض إلى تحويل النصر إلى هزيمة بشكل لا يقبله عقل أو منطق الأمور؛ وهو ما يسيء لهم.
نصر غزة أعاد الاعتبار للقضية الفلسطينية والمقاومة وللإنسان الفلسطيني، وصارت القضية الفلسطينية رقم واحد في العالم؛ وحققت تعزيزاً للوحدة الوطنية؛ ورفعت سقف المفاوض الفلسطيني الذي كان قبل حرب غزة لا يملك أوراق ضغط؛ أما الآن فلديه عنصر قوة وورقة ضغط كبيرة وهامة وأثبتت جدارتها بالدم وبالأرواح؛ وهو ما دفع الرئيس الفلسطيني للمطالبة بأنه لن يقبل بمفاوضات غائمة من الآن فصاعداً، وطالب بالاتفاق على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة على حدود 1967 قبل بدء المفاوضات.
معروف ومعلوم أن "نتنياهو" سيحاول المراوغة ويستخدم كل أساليب اللف والدوران بهدف أن يحقق بالسلم ما عجز عن تحقيقه في الحرب، وهذا ليس بالأمر الجديد وتعرفه المقاومة جيداً والوفد المفاوض الذي كان بالقاهرة.
كان متوقعاً حرد وتنكر "نتنياهو" لاتفاق التهدئة من خلال إصراره على إبقاء الحصار وبطء فتح المعابر وربطه إعادة الإعمار بعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة؛ وكأنه حريص على السلطة الفلسطينية التي اقتطع 60% من أموالها ومستحقاتها خلال الشهر الحالي.
التقليل أو التسخيف من نصر غزة؛ يفرح "نتنياهو" على عدة صعد؛ حيث سيقول لجمهوره لست وحدي من يقول إن غزة هزمت بل هناك فلسطينيون يقولون ذلك؛ وكذلك التهجم على غزة يشجع ويستفيد منه "نتنياهو" للتفرغ واستمرار الاستيطان وتوسيعه والاعتداءات على المقدسات، وخصوصاً الأقصى، والشروع في تقسيمه زمانياً تمهيداً لتقسيمه مكانياً.
ما يجب فعله هو استخلاص الدروس والعبر على الدوام من كل حدث؛ ونصر غزة خلص إلى نتيجة مفادها؛ أن المقاومة هي الرافعة الحقيقية لطرد الاحتلال، وتحقيق الإنجاز تلو الإنجاز؛ وأن أوسلو جرب؛ "ويا امجرب اللي امجرب عقلك امخرب"، ويجب أن نكون جميعاً على قلب رجل واحد حتى تحقيق النصر التام وطرد الاحتلال.
خلال العدوان على غزة وطوال الـ51 يوماً تجسدت الوحدة الميدانية والتي جسدتها المقاومة والالتفاف الشعبي حولها والتحرك السياسي المشترك؛ وهو ما أنجز انتصاراً واضحاً على الاحتلال المتفوق عسكرياً؛ فلا يعقل أن تتوقف حالة الوحدة الفلسطينية بعد انتهاء الحرب؛ لأن ذلك يشكل خسارة فادحة للشعب الفلسطيني.
تعلم غزة جيداً أن ما جرى هو جولة من بين جولات ستتلاحق وليس نهاية المطاف؛ وأن صمت المدافع وتوقف قصف الطائرات والبوارج الحربية لا يعني نهاية الحرب؛ ولذلك بقيت يدها على الزناد؛ بانتظار الجولة القادمة.