بعد اكتشاف جثث المستوطنين المخطوفين قبل ثلاثة أيام بدأت موجة من الاعتداءات الاستيطانية المسعورة على الفلسطينيين في مختلف المناطق، كان منها محاولة اختطاف طفل في التاسعة من عمره في شعفاط، واختطاف صبي في السادسة عشرة من عمره في البلدة نفسها وقتله بعد تعذيبه وفقاً لإفادات شهود العيان.
كما سجلت عشرات الاعتداءات على المواطنين وممتلكاتهم في الضفة الغربية. هذا دون أن نذكر الغارات الجوية المتواصلة منذ ما يقارب الثلاثة أسابيع على قطاع غزة.
وليس المستوطنون في حاجة لذريعة أو مبرر ليقوموا بهذه الأعمال الإجرامية، ومن المعروف للعالم كله أن عصابات ما يسمى بـ "تدفيع الثمن" كانت تخرب السيارات والممتلكات وتدنس أماكن العبادة الإسلامية والمسيحية على حد سواء، وتترك توقيعها في كل مكان تتمكن من إلحاق الأذى والدمار به. ومع ذلك فلم تلق السلطات الإسرائيلية القبض على أي فرد ينتمي لهذه العصابات التي عاثت فساداً داخل "الخط الأخضر" وخارجه.
فهل يعني هذا أن السلطات الإسرائيلية التي تمتلك أجهزة أمن هي من بين الأقوى في العالم، عاجزة عن وضع حد لنشاط هذه العصابات لو أنها أرادت ذلك؟ إن الجواب واضح لا يحتاج لبيان، لكن ما يترتب على سلبية السلطات الإسرائيلية تجاه هذه الاعتداءات المتواصلة من انطباعات، يشير إلى أن ما ترتكبه عصابات "تدفيع الثمن" يحظى بما يشبه الضوء الأخضر من جانب جهات متنفذة في "إسرائيل".
هذه الموجة المسعورة من الاعتداءات كان لها، وسيكون، ردود فعل من جانب الفلسطينيين المعتدى عليهم، والنتيجة الحتمية هي حلقة مفرغة من ردود الفعل العنيفة المتبادلة والمتسلسلة. وفي كل الحالات، فالفلسطينيون ليسوا هم المبادرين بالعنف، والإدعاء بأن حادثة اختطاف المستوطنين كانت نقطة الانطلاق ينقصه الدليل والإثبات. وما تزال السلطات الإسرائيلية تحقق في هذه الحادثة، لكنها وقبل اكتمال التحقيق بل حتى قبل بدايته حمّلت المسؤولية للفلسطينيين بشكل جماعي، وشنت حملة عسكرية غير مسبوقة في أرجاء الضفة شملت المسيسين وغير المسيسين، وحولت حياة المواطنين إلى جحيم لا يطاق، دون أي مبرر قانوني أو منطقي.
والفلسطينيون واقعون بين سندان السلطات الرسمية الإسرائيلية ومطرقة المستوطنين المدعومين من جانب تلك السلطات. والسؤال هو: ما دام الشعب الفلسطيني في موضع الاتهام كلما دق الكوز بالجرة، كما يقول المثل، فلماذا لا يحدث فك ارتباط بين الجانبين، ولماذا ترفض "إسرائيل" عملياً إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وتصرّ على استمرار هذا الوضع الغريب الذي لا ترتاح إليه هي، ولا يقبل به الفلسطينيون؟.
وهنا نكرر نداءنا ومناشدتنا للأسرة الدولية، التي تشهد ما يعانيه الفلسطينيون من جرائم المستوطنين وممارسات الاحتلال، لتحمّل مسؤوليتها في إنهاء الاحتلال وتصفية الاستيطان، ليعيش الشعب الفلسطيني حراً على أرض وطنه...
صحيفة «القدس» الفلسطينية