يتابع اللاجئون الفلسطينيون في لبنان بحرقة وغضب حرب الإبادة المستمرة ضد أهلهم في قطاع غزة، وما يُرتكب بحقهم من عمليات قتل وتجويع وتدمير لكل مقومات الحياة. وقد بدأت هذه الحالة، منذ شنّت إسرائيل عدوانها على قطاع غزة تحت اسم «السيوف الحديدية» ردّاً على عملية «طوفان الأقصى».
لقد جدّدت هذه العملية الأمل لدى اللاجئين بإمكانية العودة إلى ديارهم. فأعادت الحيوية والحماسة للأنشطة الوطنية، كالتظاهرات والوقفات وحملات مقاطعة الشركات الأميركية الداعمة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وكما يرون المقاومة الفلسطينية بعين الفخر، يرون في المقاومة الإسلامية في لبنان، التي تخوض معركة إسناد غزة، إمكانية أخرى لتجسيد حق العودة إلى فلسطين.والآن في هذه الأيام التي يجري فيها الحديث عن ضرورة الاستعداد للسيناريوات والاحتمالات كافة، لما يمكن أن تؤول إليه الأمور، يطرح سؤال جوهري حول دور اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وهنا يتحدّث بعض الفاعلين في المخيمات عن ضرورة وضع خطة شاملة للاجئين، وإدارة حركتهم، على اعتبار أن أي حرب ستحدث سوف تجدّد شرعية سلاحهم، وتضع إيمانهم بفكرة الكفاح المسلح طريقاً للعودة قيد العمل، وفقاً لمقتضيات الأرض، وإدارة المعركة.
واستناداً إلى هذه الفكرة، فإن المخيمات الفلسطينية تشهد حالة تعبئة عامة غير معلنة، بانتظار كيف تتطور الأحداث.
يرى عضو المكتب السياسي في «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» ومسؤولها في لبنان يوسف أحمد، أن «اللاجئين الفلسطينيين جزء أساسي من المعركة والمواجهة، وهناك تكامل بين المقاومة في لبنان وفلسطين. ونحن جاهزون للمساهمة بالتصدي لأي عدوان على لبنان والمخيمات، فنحن والمقاومة في خندق واحد» ويضيف أن «العمل يجري الآن بالتعاون مع كل القوى والفصائل الفلسطينية لوضع خطة طوارئ شاملة عبر هيئة العمل الفلسطيني المشترك». ووفقاً لمسؤول العلاقات اللبنانية في حركة الجهاد الإسلامي أبو وسام محفوظ، فثمة «حالة ترقب في المخيمات من احتمال توسع الحرب وتحولها إلى حرب شاملة لا يعرف مداها، في ظل ما تشهده المنطقة من حالة عسكرة غير مسبوقة. والحرب إن حصلت، سيكون اللاجئون الفلسطينيون في المقدمة، وهم تواقون لذلك في ظل حالة الغليان لدى الشباب في المخيمات، بسبب ما يحدث في غزة والقدس والأراضي الفلسطينية المحتلة كافة، فهم يعتبرون أن أي اعتداء على لبنان المقاوم والمساند الأساسي لفلسطين وشعبها ومقاومتها، والذي قدم التضحيات الكبيرة في سبيل القضية الفلسطينية، يلقي عليهم واجب ومسؤولية المشاركة في عملية الدفاع والمواجهة».
على صعيد آراء شباب المخيمات، يقول الناشط بهاء عقلة، وهو مدير استديو المخيم في صبرا وشاتيلا، إنه «رغم وجود انقسام فلسطيني فلسطيني يؤثر على دور اللاجئين، فإن معظم الشباب يؤيدون المقاومة ويعتبرون أنفسهم مقصرين، ويتمنون أن يكونوا في قلب المعركة، في المجالات كافة. وفي حال وقعت الحرب، سينضوي معظم الشباب الفلسطينيين تحت راية المقاومة التي تقود جبهات إسناد، وتقدّم أغلى التضحيات دفاعاً عن شعبنا في غزة». يضيف: «هناك بعض الفصائل الفلسطينية، والجهات الرسمية الفلسطينية كالسفارة، غائبة، وهذا يدفع الشباب للسؤال: أين هذه الفصائل ودورها قبل السؤال أين الآخرين؟ وفي حال اندلعت الحرب، فالكل سيشارك، وأنا أنظر كل يوم إلى الخريطة، وأحدد مكان قريتي الناعمة، قضاء صفد، فأحضّر نفسي للعودة إليها في أقرب وقت».
أمّا حسام عرار، مسؤول «حركة شباب ترشيحا» في مخيم برج البراجنة، فيقول: «نحن ننشط في المخيمات دعماً لغزة، وقمنا بكفالة عدد من أطفال غزة الذين استشهد أهلهم، لكنّ عدداً من هؤلاء الأطفال الذين تكفلناهم قد استشهدوا. والشباب هنا في المخيمات يستعدون جدياً للعودة والدخول إلى الجليل، في حال وقعت الحرب».
ما سبق من كلام السياسيين والناشطين في المخيمات، وفي أوساط اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ليس مستغرباً. فهؤلاء أبناء الثورة الفلسطينية، معظمهم قدّم من عائلته شهيداً أو جريحاً. ولعل هذا ما يجعل المارة في زواريب المخيمات، يفهم معنى تلك الشعارات على الجدران، تلك التي تشير إلى فلسطين الكاملة، وحق العودة إليها. فعيونهم ثابتة نحو وطنهم الذي لا وطن لهم سواه... ولسان حالهم يردّد قول شاعر فلسطين محمود درويش:
«يا أمّنا انتظري أمام الباب
إنّا عائدون
هذا زمانٌ لا كما يتخيلون»
* كاتب فلسطيني