عامر خليل
لا زال فلسطينيو ال 48 يشكلون شوكة في حلق دولة الاحتلال الاسرائيلي لمجرد ثباتهم وبقائهم على أرضهم وتمسكهم بهويتهم الفلسطينية ورفضهم مسار الأسرلة الذي تحاول عبره الحكومات الإسرائيلية على مدى عقود الاحتلال السبع نزعهم من انتمائهم وثقافتهم العربية الإسلامية، وامام فشلها في هذه السياسة لجأت الى مخطط اخر تمثل في التضييق عليهم عبر سلسلة طويلة من القوانين الهادفة الى محاصرة أي شكل مقاوم لديهم يعبر عن تضامنهم مع ابناء شعبهم في الشتات والداخل فمائة وواحد واربعون قانونا طرحت على الكنيست الإسرائيلي في غضون ثلاث سنوات تعزز العنصرية ونهج التمييز وفرض العقوبات سواء بتقليص الميزانيات او الاعتقال واصطناع الاتهامات لتبريره.
تعتقد دولة الاحتلال انها يمكن ان تسيطر على المكون الوطني لدى فلسطيني الـ 48 عبر إجراءاتها الإرهابية والقمعية وقوانينها العنصرية فتفصل بينهم وبين باقي الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات الا ان كل محطات النضال الفلسطيني أثبتت عكس ذلك تماما وآخرها نقل السفارة والمجزرة الاسرائيلية على حدود غزة في هذا اليوم فقد خرجوا في مسيرات متعددة تعبيرا عن رفضهم للقتل وادانتهم لجرائم الاحتلال ورددوا "من غزة طلع القرار، انتفاضة وانتصار. يا غزة كوني قوية"، "يا شهيد ارتاح ارتاح، احنا نكمل الكفاح"، "من حيفا تحية لغزة، إسرائيل دولة ارهاب"، وكانت الصدامات التي وقعت مع شرطة الاحتلال والعنف الكبير الذي استخدمته ضدهم واعتقال 21 منهم دليلا على ما تشكله هذه الوقفات من دلالات سياسية تفهم الاحتلال انه لا يمكن الفصل بين الفلسطينيتين في كل اماكن تواجدهم وعزلهم عن باقي ابناء شعبهم.
لم تكن هذه هي المحطة الأولى في سياق التعبير القوي لفلسطينيي الـ 48 في تضامنهم ووقوفهم الى جانب باقي ابناء شعبهم فقد خرجوا في مطلع تشرين اول عام 2000 في مظاهرات حاشدة ضد تدنيس شارون للمسجد الاقصى ووقعت مواجهات عنيفة سقط على اثرها 13 شهيدا من الداخل المحتل في تعبير واضح عن حقيقة البعد الديني والسياسي في الصراع مع الاحتلال وان كل اجراءاته التي اتخذها على مدار العقود الماضية لفرض النمط الثقافي الاسرائيلي في التعليم وقوننة حياتهم وفق التشريع الإسرائيلي لم تنجح في اختلاق واقع سياسي يقبل بالاحتلال والسياسات التي يعمل ترسيخها بين فلسطينيي 48 الذين كان لهم دور مهم في حماية المسجد الاقصى عبر تسيير القوافل المقدسية منهم الى ساحات الاقصى والرباط فيه والتصدي للتدنيس اليومي من قبل المستوطنين له.
كانت مسألة الأرض معطى دائماً في المواجهة بين فلسطينيي 48 وسلطات الاحتلال التي عملت على مصادرة ما تبقى من أراضيهم بعد احتلال عام 1948 فقد أضحى في حينه بحوزتهم فقط 2% من الأراضي فيما سيطرت دولة الاحتلال على النسبة الباقية ونقلت جزء اً كبيراً منها الى الصندوق القومي لاراضي اسرائيل "كيرن كييمت" ورغم ذلك فانها عملت بشكل ممنهج على اقتطاع مزيد من الاراضي المتبقية وكان يوم الارض في شهر اذار 1976 بمدينة سخنين واحداث يوم الروحة في ام الفحم في تشرين اول عام 1998 عندما حاولت سلطات الاحتلال السيطرة على مئات الدونمات من اراضي سخنين وام الفحم محطات ذات دلالة في التصدي الفلسطيني لمصادرة مزيد من الارض.
بقاء فلسطينيي الـ 48 على ارضهم وصمودهم عليها شكل وما زال تحديا لدولة الاحتلال فهم تكاثروا من 160 الفا عام 1948 ليصل عددهم الى ما يقارب المليون ونصف فلسطيني يشكلون نسبة 20% من مجموع السكان في فلسطيني التاريخية وهم بوزنهم السياسي في الانتخابات وقدرتهم على التأثير في الخارطة السياسية وتشكيل القائمة العربية الموحدة التي فازت ب 13 مقعدا في الانتخابات الأخيرة باتوا عبئا سياسيا وديمغرافيا عملت دولة الاحتلال على الحد او التخلص منه لكنها فشلت على الدوام وبقي فلسطينيو الداخل صامدين على اراضهم فيما اعتبر نتنياهو انهم يمثلون التهديد الديمغرافي الحقيقي لدولة اسرائيل واسماهم القنبلة الديمغرافية خلال مشاركته في مؤتمر هرتسيليا الثالث عام 2003، ثم كان الهوس الانتخابي لنتنياهو عام 2015 عندما دعا الإسرائيليين الى الهرولة للتصويت لان العرب يتقاطرون بجموعهم للتصويت والفوز باعداد كبيرة من المقاعد مؤشرا على طبيعة الرؤية الإسرائيلية لفلسطينيي 48 باعتبارهم خطرا وتهديدا على مستقبل دولة الاحتلال.
كل القوانين العنصرية التي استهدفت فلسطينيي 48 سواء لمصادرة أراضيهم او ردعهم عن التعبير عن مواقفهم السياسية والتضامن مع باقي ابناء شعبهم او فرض منهاج التعليم الإسرائيلي لم يؤتِ اكلها وبقي اهلنا في الداخل صادمين متمسكين بهويتهم العربية الإسلامية وخروجهم في مسيرات ووقفات للتعبير عن وقوفهم مع غزة والعنف المستخدم إسرائيليا ضدهم يؤشر الى مدى أهمية وثقل فلسطينيي الـ 48 في سياق الصراع مع الاحتلال وكونهم الذراع المتقدم في الدفاع عن الشعب والتمسك بالأرض والهوية والانتماء لفلسطين وسقوط نهج الأسرلة.