منذ الماضي البعيد، يُعتبر معبر رفح البري بالنسبة لفلسطيني قطاع غزة الأضيق في العالم، من حيث حركتهم وتنقلهم من وإلى القطاع، فبرغم أنه المنفذ الوحيد لهم، فإن من تشكّلت لهم الحظوظ، هم فقط من يستطيعون تجاوزه،
وإن بعد شِدّة ومعاناةٍ فائقتين، حتى إبان عهد الاحتلال الإسرائيلي، كان الأفراد يحصلون ببساطة على تصريح إسرائيلي – مدفوع الرسم- بالمغادرة، لكنهم سرعان ما يصطدمون بالممانعة المصرية، برغم حيازتهم مبررات وحججٍ دامغة لمشقة السفر.
فقد كانت بانتظارهم جملة من الإجراءات الشديدة الصرامة، يجري تطبيقها عليهم - بدون استثناء- والتي تبدأ بخشونة المعاملة، وتمرّ بالمثول أمام المخابرات العامة، وأمن الدولة وجهات أمنية أخرى، وتنتهي بالنظرة الأخيرة لإدارة المعبر، فيما إذا كانت عامرة المزاجٍ أم لا، على الرغم من انقطاع الدواعي لتلك الإجراءات برمّتها، ونستطيع ذِكر في هذا الصدد، بأن الوسائل الماليّة، يمكنها تحويل الأفراد من أمنيين إلى نورماليين (Normalcy).
زاد الوضع سوءاً، نتيجة سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في يوليو 2007، حيث أغلقت مصر المعبر بشكلٍ شبه كامل، باعتبارها "غير شرعية"، ولا يجب التعامل معها خاصة في هذا الجانب، إلاّ أنه وفي مايو 2010، أي بعد ثلاث سنوات تقريباً، ونتيجة الهجوم الإسرائيلي على سفينة (مافي مرمرة) التركية، التي كانت في طريقها ضمن (أسطول الحرية) لكسر الحصار عن القطاع، قام الرئيس المصري "حسني مبارك" بإصدار مرسوم رئاسي بسحب الأقفال من بواباته المُغلّقة، واستئناف تشغيله- برغم استمرار حماس في الحكم- مُنهياً به، كل التفاهمات السابقة بشأن إدارته، بما فيها الإشراف الأوروبي، الذي تم الاتفاق بشأنه بين الفلسطينيين والإسرائيليين في العام 2005، باعتبار المرسوم سيادي، ولا أحد يملك الاعتراض عليه.
"إسرائيل"، اعتبرت حينها أن المرسوم، يُعد انتهاكاً لاتفاقية المعابر، ولكنها لم تشأ إثارة أيّة مشكلات مع مصر، لاعتقادها بأن الخطوة هي مجرّد امتصاص لغضبة شعبيّة، ولاطمئنانها من ناحيةٍ أخرى، بأنها لا تنوي تغيير الوضع بعكس ما كان عليه، وبأنها تعرف جيداً كيف تتدبر أمرها في إدارة المعبر، وبما يتلاءم مع الحالتين السياسية والأمنية المصرية والإسرائيلية.
القرار، وإن كان مقتصراً على الحالات الإنسانية وحالات التنسيق الأخرى، مع تخفيضات في مستوى التشدّد، إلاّ أنه كان موضع ترحيب فلسطيني عام، باعتباره الخيار الصحيح، باتجاه تسهيل حياة ساكني القطاع، والحد من معاناتهم بشكلٍ عام، وباعتباره نقطة تحوّل هامة في إزالة الحصار الإسرائيلي المفروض عليهم منذ 2006.
بعد ثورة 25 يناير، كانت هناك أوضاع سياسية وأمنية مهمّة فرضت نفسها على حركة الفلسطينيين باتجاه المعبر، حتى وصول الدكتور "محمد مرسي" إلى سدة الحكم، حيث شهد المعبر انطلاقة ملحوظة، نحو تسهيلات غير مسبوقة لحركة الفلسطينيين، برغم وجود بعض المعرقلات السياسية والأمنية، بما فيها قيام "إسرائيل" بتحميل مصر مسؤولية إدارته سياسياً وأمنياً.
حتى قبل استلام الرئيس "عبدالفتاح السيسي" الحكم المصري، أصبح الوضع مختلفاً، حيث مثل المعبر لدى المصريين مرضاً أمنياً ومُنغصاً اقتصادياً، يجب القضاء عليه بسرعة، وقد ساهم الإعلام وجهات مصرية أخرى باتجاه إغلاقه بشكل نهائي، وكان الرئيس "السيسي" قد ربط في كل مناسبة، قضية المعبر، باستلام السلطة الفلسطينية له، وبسط سيطرتها عليه بشكل دائم، كونها تحظى بالاعتراف الدولي والمصري بخاصة.
من جانبها، فإن السلطة الفلسطينية، كانت تشترط في كل مرّة، بأن تقوم حماس بتسليم مفاتيحه بشكل كامل لحرس الرئاسة الأمني، إذا ما أرادت المسير في شأن المصالحة الوطنية، ولضمان استمرارية عمله باتجاه خدمة المواطنين، لكن تخوّفات حماس التي كانت دائماً تعلن عنها، هي التي كانت تحول دون تكملة أي اتفاق، باعتبار أن التسليم هكذا، وفي ضوء اتهامها لبعض قيادات حركة فتح بالعمل على استغلال الأزمة للضغط عليها، يقصد قصف سلاح المقاومة، ويعني إلغاء الحركة عن المشهد السياسي والاجتماعي داخل القطاع.
وبينما أعلنت – حماس- في أوقات سابقة، عن استعدادها للتعاطي مع أيّة مقترحات لحل الأزمة، وفي ضوء أنها هي من طرحت تسليم المعبر لحرس الرئاسة، وأن السلطة الفلسطينية هي من رفضت ذلك الطرح، بناءً على مشكلات سياسية، إلاّ أن السلطة ترى بأن اشتراطات حماس، بأن يبقى عناصرها متواجدين في أماكنهم داخل المعبر، ورفضها عودة المراقبين الأوربيين لمتابعة عملهم، هي اشتراطات غير واقعية ومرفوضة أيضاً.
حتى هذه الأثناء، تجد حماس نفسها أمام فوهة المدفع، لاتهامها بأنها هي من تعرقل فتح المعبر، وهي من تسبب مآسي المواطنين اليوميّة، لكن وحتى في ضوء استلام السلطة الفلسطينية له أو قيام مصر بتشغيله استثنائياُ، فإن الأوضاع بداخله، لن تكون وردية تماماً كما يظنّ الفلسطينيون، بسبب أن الإجراءات المشددة - ما قبل حماس - هي نفسها التي ستعود إلى قواعدها وعلى نحوٍ أكبر، على الأقل بالنسبة لأفرادها والمؤيدين لها والمتعاطفين معها، والذين يشكلون نسبة لا بأس بها من مواطني القطاع، وبالمقابل، فإن حصول مثل هذا الأمر، سيُعتبر لدى كثيرين بمثابة إنجازٍ ضخمٍ، وإنهاء لملفٍ طالما أشعل خلافاً وجدلاً كبيراً.